رئيس التحرير
في زمن القهر فاح أريج الحرية، وازدان الوطن بزغاريد الفرح احتفاءً بالانتصار الجديد الذي سجلته المقاومة الإسلامية بتحريرها للأسرى وجثامين الشهداء الذين عادوا إلى الوطن بعد طول انتظار واستقبلتهم هتافات الشوق يغلفها الحزن ويأسرها فما زالت ثلة في الأسر تنتظر الحرية الموعودة. وتعود كربلاء أليست هي في كل زمن ومكان. وتبقى كربلاء نبعاً رقراقاً فياضاً بالنور، ينير درب الأحرار. تعلمهم الصبر والفداء والإيثار والتضحية والإباء والمروءة والبطولة المفعمة بروح الإيمان والعبودية والطاعة والخضوع للَّه عزَّ وجلَّ، ولأوليائه. يتعلم منها الرجال والنساء، والصبية والكهول، والسادة والعبيد، الأم والأب، الولد والوالد، الأخ والأخت، والصديق، يتسابقون في معبد البطولة والتضحية لا تميزهم هذه الألقاب والأسماء، بل تميزهم الروح والقلب والنية الصادقة والمخلصة، والإرادة الفانية بإرادة اللَّه عزَّ وجلَّ. شموخ الإمام الحسين عليه السلام، وإيثار العباس عليه السلام، وولاء الأصحاب وتفانيهم وتسابقهم للقتل والقتال، وصمود الأسرى والسبايا على أذى الأسر والأغلال. وكلمة الحق التي قالوها ولم يرهبهم التهديد بالقتل، ولم يفت من عزيمتهم القتل والأسر، وكثرة التعذيب، يرافقهم ذكر اللَّه وحبه وطاعته وتوحيده.
قبل كربلاء، وبعد كربلاء، قبل الأسر وبعده الشعار واحد، والطريق واحد، والموقف واحد. قبل كربلاء: "ألسنا على الحق، فلا نبالي أوقعنا على الموت أم وقع الموت علينا"، وفي الأسر: "بالموت أتخوفني يا ابن الطلقاء، الموت لنا عادة وكرامتنا من اللّه الشهادة". وتستمر عاشوراء، وكربلاء ثورة الحق على الباطل، والعدل على الظلم، يحملها الثوار، فتزلزل عروش الظالمين، في كل دهر ومصر. وما زال الحسين عليه السلام يلهب قلوب الأحرار إلى نهاية العصر وقلب سيد العصر عجل الله فرجه، بنداءاته، ودعواته يطلب الناصر. وها هم الأحرار استجابوا ولبّوا نداء الثورة والمقاومة والجهاد، وها هم ما بين شهيد وجريح وأسير، لن توقف سيلهم أميركا وإسرائيل وكل المستكبرين. مهما ازداد القهر، وفاض النهر، واصطبغ بلون الدم، ولم يسق الحسين عليه السلام، وديس الصدر؛ فقد طلع الفجر، وأذان الصبح يصدح: هلموا إلى الصلاة، إلى معبد الثوار، إلى قبلة الأحرار، إلى كربلاء ؟