إعداد: فيصل أشمر
أثار القرار الصادر عن الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" حول منع ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية عاصفة لم تهدأ حتى الآن، لما في هذا القرار من مس بالشرع الإسلامي ومن سلبٍ لحق من حقوق المسلمات في دولة تدعي قيامها على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
* حيثيات القرار الفرنسي
وكان الرئيس الفرنسي قد كلف لجنة من عشرين شخصية برئاسة "برنارد ستازي" الذي يشغل منصب وسيط الجمهورية بتقديم تقرير بشأن الحجاب الإسلامي بعد أن نشأ خلاف واسع داخل هذا المجتمع حول موضوع ارتداء الطالبات المسلمات للحجاب في المدارس الفرنسية. وقد رفعت اللجنة تقريرها إلى الرئيس الفرنسي وأوصت فيه بمنع الحجاب في المدارس من أجل مواجهة التهديد المتزايد للأصولية الإسلامية في فرنسا كما زعمت، بالإضافة إلى توصيتها بمنع القلنسوة اليهودية والصلبان في المدارس أيضاً. وقد لقي هذا القرار اعتراضاً شديداً تمثل في المظاهرات التي عمت أنحاء كثيرة من العالمين العربي والإسلامي بالإضافة إلى ردود أفعال المفكرين والصحافيين وغيرهم في الشرق والغرب.
* موقف شيخ الأزهر
وقبل استعراض ردود الأفعال هذه نشير إلى موقف مفتي الأزهر "الشيخ محمد سيد طنطاوي" الذي أعلن صراحة عن رأيه المتساهل إزاء القرار الفرنسي المذكور حيث قال: إن فرض حظر على ارتداء الحجاب في مدارس فرنسا شأن داخلي لا يحق لأحد التدخل فيه وأجاز للمرأة المسلمة في دولة غير مسلمة كفرنسا مثلاً أن تخلع حجابها إذا أراد المسؤولون في تلك الدولة أن يضعوا قوانين تتعارض مع مسألة الحجاب، ورأى أنه عندما تستجيب المرأة المسلمة لقوانين الدولة غير المسلمة تكون من الناحية الشرعية الإسلامية في حكم المضطر. وقد جاء إعلانه هذا أثناء اجتماعه في القاهرة مع وزير الداخلية الفرنسي "نيكولا ساركوزي".
* ردود الفعل
ولقي إعلان مفتي الأزهر هذا ردوداً شاجبة كثيرة منها ما كان من داخل مصر ومنها ما كان من خارجها، حيث تصدى المعنيون للرد عليه من خارج الأزهر ومن داخله أيضاً.
* صرَّح مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل أن ما قاله شيخ الأزهر قصد به أنه إذا كانت فرنسا ستُكره المسلمات على خلع الحجاب فإن الإسلام يقبل الإكراه ويتعامل معه وهذا كلام خاطئ ليس هذا موضعه، وكان يجب أن يقول: إذا كانت فرنسا دولة علمانية فيجب التأكيد لفرنسا بأن العلمانية لا تضيق على الأديان وأن قرارها بمنع الحجاب يخالف مبادئ العلمانية وأن الإسلام يرفض منع وحظر الحجاب وطالب فرنسا باحترام الآخرين.
* كما ندد آية اللّه السيد محمد حسين فضل اللّه بهذا الموقف متهماً الشيخ الطنطاوي بالإساءة إلى الإسلام والمسلمين داعياً شيخ الأزهر إلى الاعتذار عما بدر منه، وبعث كتاباً إلى الرئيس الفرنسي ذكر فيه أن منع الحجاب مثل اضطهاداً لحرية الإنسان المسلم. أما الاعتراضات على منع الحجاب في المدارس الفرنسية فقد جاءت أولاً من داخل فرنسا نفسها وقبل أن يصدر الرئيس شيراك قراره الشهير، فالكنائس الفرنسية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرثوذكسية دعت الرئيس جاك شيراك إلى عدم حظر الحجاب للتلميذات المسلمات في المدارس العامة، قائلة إن إخفاق فرنسا في دمج مواطنيها المسلمين في المجتمع الفرنسي يعد مشكلة أكثر خطورة من ارتداء الحجاب. كما انتقد المنع الحاخام الأكبر للطائفة اليهودية في فرنسا "جوزيف سيتروك". وأعرب المؤتمر العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة إيسيسكو عن قلقه من عزم الحكومة الفرنسية حظر الحجاب في المدارس وأماكن العمل.
* واعتبرت الرابطة الفرنسية للنساء المسلمات أن تصريح طنطاوي يمثل أمراً مؤلماً للآلاف من نساء فرنسا المسلمات اللاتي عبرن طوال الأشهر الأخيرة عن حقهن الإنساني والشرعي في ارتداء الحجاب. وقالت نورة جاب اللَّه رئيسة الرابطة التي تعد أكبر تمثيل إسلامي نسوي في فرنسا: "إن موقف شيخ الأزهر فاجأنا وصدمنا ففي الوقت الذي دعت أبرز المراجع الدينية السنية والشيعية في العالم الإسلامي لمساندة قضية الحجاب في فرنسا باعتبارها قضية عادلة من الناحية الشرعية والإنسانية نجد أن شيخ الأزهر يخالف ما أجمع عليه العديد من العلماء".
* وأعرب المؤتمر الذي عُقد في طهران عن استغرابه من هذا الموقف الذي يتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق اليونسكو ويتعارض مع مبادئ الثورة الفرنسية. وأوضح في بيانه الذي وجهه إلى الرأي العام العالمي والرأي العام الفرنسي بصورة خاصة أن ارتداء الحجاب هو من الواجبات الإسلامية التي يقتضي القيام بها امتثالاً لتعاليم القرآن الكريم.
* وفي الجمهورية الإسلامية الإيرانية انتقد الرئيس السيد "محمد خاتمي" نظيره الفرنسي "جاك شيراك" بسبب الحظر المقترح على ارتداء الطالبات للحجاب في المدارس الحكومية الفرنسية.
* وفي مصر أعلن الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن الحجاب فريضة إسلامية وليس رمزاً وهذا أمر لا يقبل المناقشة ولا الحوار، وطالب الفرنسيين بالالتزام بالمبادئ الديمقراطية التي أقرتها المواثيق الدولية ومواثيق حقوق الإنسان والمعاهدات الدولية بشأن ضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات المختلفة بمن فيهم المسلمون.
* وفي قطر انتقد الداعية المصري الشيخ يوسف القرضاوي اتجاه الحكومة الفرنسية لسن قانون يحظر على المسلمات ارتداء الحجاب في المدارس العامة، وأشار إلى أن مثل هذا التوجه يتناقض والحرية الشخصية والدينية.
* وفي لبنان شجب حزب اللَّه القرار الفرنسي كما شجبته كل الحركات والتجمعات الإسلامية والشخصيات العلمائية وقد أقيم مؤتمر علمائي جمع ممثلين عن كل الجمعيات والحركات الإسلامية تنديداً بقرار منع الحجاب.
* ودعا الشيخ أحمد كفتارو المفتي العام لسورية الرئيس شيراك في رسالة أرسلها إليه إلى إعادة النظر في موقفه معلناً أنه فوجئ بتأييده منع ارتداء الحجاب الإسلامي في المدارس وأماكن العمل العامة ومنع بعض المظاهر الخاصة بأهل الشرائع السماوية الأخرى. وأكد كفتارو أن الأمة الإسلامية تنظر إلى الحجاب على أنه من أسس دينها وهو ليس مجرد مظهر أو عادة.
* وفي بلجيكا أعلن "كارل ديغوخت" رئيس الحزب الليبرالي الفلامنكي الحاكم والذي ينتمي إليه رئيس الحكومة البلجيكية معارضته لمنع ارتداء الطالبات للزي الإسلامي في المدارس البلجيكية. وأضاف أنه يعارض أي إجراء يسمح بالتدخل في الحياة الشخصية للطالبات المسلمات وقال إن حمل حجاب بسيط لا يمثل أية إشكالية وأنه من حق الطالبات المسلمات ارتداء الزي المناسب وإن ذلك ينتج ضمن احترام الحرية الشخصية للأفراد.
* وفي ألمانيا رأى الرئيس الألماني "يوهانس راو" أن المخاوف السائدة في المجتمع الألماني من حجاب المعلمات المسلمات ليس لها ما يبررها، وأضاف علينا ألا نتناسى حقيقة وجود ملايين المسلمين الذين أصبحوا جزءاً مهماً من المجتمع الألماني ولهم حقوق كاملة في المواطنة به. وكانت المحكمة الدستورية الألمانية قررت في نهاية سبتمبر إمكان ارتداء الحجاب في المدارس، وتركت للأقاليم المختلفة حق حظره أو السماح به عبر تشريعات محلية.
* وفي بريطانيا انتقد الدكتور "روان ويليامز" رئيس أساقفة كانتربري، وهو أرفع منصب في الكنيسة الإنجليكانية خطط الحكومة الفرنسية الرامية إلى حظر الرموز الدينية الظاهرة في المدارس العامة، بما في ذلك الحجاب الإسلامي، كما قالت وزيرة الداخلية البريطانية المكلفة بالشؤون العرقية "فيونا ماك تارغت" إن بلادها لن تحذو حذو فرنسا في منع المسلمات من ارتداء الحجاب.
* وفي الفاتيكان أعلن الكاردينال "جوزيف راتزينجر" رئيس مجمع العقيدة أنه لن يمنع أية مسلمة من ارتداء الحجاب "إلا أننا لا نقبل كذلك بتاتاً منعناً من وضع الصليب" كما أضاف.
* كما أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء التدابير التي ستتخذها فرنسا لحظر الرموز الدينية مثل الحجاب في المدارس الحكومية، وقال المسؤول عن ملف الحرية الدينية في العالم بوزارة الخارجية "جون هانفورد" إن واشنطن تتابع بقلق هذه التدابير.