مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

منع الحجاب في فرنسا..خلفيات وأهداف الثقافي بعد الاجتياح العسكري‏

موسى حسين صفوان‏

 



هل تريد السياسة الفرنسية الليبرالية والعلمانية في آن، أن تقود اجتياحاً ثقافياً ضدّ ما تسميه "الظلامية والتطرف في العالم"، بعد أن نجحت السياسة الاستكبارية الأميركية في قيادة اجتياح عسكري متعدد الأهداف، يعيد رسم الخارطة (الجيوبوليتيكية) للعالم، ويتصدى لقيادة العالم المتحضر، لعقود أخرى من الزمن بحجة الدفاع عن الحضارة الغربية؟ وهل هو التنافس في أنماط العولمة بين حضارة تتسلح بـ(التكنولوجيا)، وتحاول كتابة الحرف الأخير من تاريخ الشعوب، وأخرى ترفض أن تعترف بالهزيمة أو حتى بالتراجع فترفع صوتها (وتنفش) ريشها، بينما تعجز أن تمد يدها لتشارك في الوليمة؟!!. الذي يقرأ خطاب الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الذي تبنى فيه توصية "لجنة ستازي" المشبوهة، بمنع الإشارات الدينية في المدارس الرسمية، وهي تعني عملياً منع الحجاب باعتباره يشكل الرمز الديني الأبرز في المجتمع الأوروبي اليوم الذي ربما يواجه بمفهومه الحضاري والقيمي الانهيار الأخلاقي الغربي في ظل ما يسميه الخطاب "انهيار الأيديولوجيات الكبيرة"...

الذي يقرأ تفاصيل ما حشده رئيس العاصمة الثقافية للعالم كما يحلو للبعض أن يسميها، يشعر كما لو أن السماء تكاد تقع على الأرض، وكما لو أن خطراً مجهولاً يتربص بالحضارة العلمانية الغربية، وأن عصراً من الظلام يكاد يبسط ظلاله على الدنيا.. العلمنة، التي هي عنوان الحضارة الغربية، والتي حصل عليها الفرنسيون بعد "حروب دينية واضطهادات" أدَّت إلى قوانين الفصل بين الكنائس والدولة. "العلمنة اليوم في خطر بسبب تداعيات عصر العولمة وما سببته من عودة للعنصرية والقوى الظلامية"!!! الحرية، التي دفع الفرنسيون ثمنها غالياً منذ أن قاموا بثورتهم الكبرى إلى أن تعززت وتعمقت عند إعلان حقوق الإنسان والمواطن عام 1789... والدستور الذي أعلن عام 1946، والذي يؤكد على حريات الاقتراع ومنح النساء حق التصويت وحرية الصحافة وما إلى ذلك... قانون إلغاء العبودية الذي أعلن في 27 نيسان 1848، وإعلان المساواة وإقرار مبادئ العدالة الاجتماعية بواسطة إنجازاتها التاريخية المتمثلة بالتعليم المجاني والإلزامي، وحق الإضراب والحرية النقابية والضمان الاجتماعي، وتكافؤ الفرص وإلى ما هنالك من أفكار ومبادئ... التعددية، أيضاً التي جعلت الشعب الفرنسي "يتحلق حول إرث فريد... غني بتنوعه... تنوع المعتقدات في أرض المسيحية القديمة التي عرفت كيف تتخطى انقسامات الحروب الدينية وتعترف في النهاية بمكانة البروتستانت، وأخيراً أرض انفتاح للفرنسيين المسلمين...". كل هذه القيم التاريخية في خطر!!!

ثم يستمر الخطاب في عرض أهم المحطات السياسية والاجتماعية والثقافية للمجتمع الأوروبي وبخاصة الفرنسي، حتى لتشعر أنك أمام قرار مصيري، بل أهم المواقف السياسية التي لا تتكرر إلا مرَّة كل قرن!!!. يتحدث عن التوتر وعوامل التوتر "في سبيل أن تبقى فرنسا كما هي ينبغي علينا أن نجيب الآن على التساؤلات وننزع فتيل التوتر الذي يجتاح مجتمعنا ولا تخفى عوامل التوتر هذه على أحد"!!! هكذا... ثم يتخذ قراره بكل بساطة: "لقد أطلَّعت على تقرير (لجنة ستازي)، ودرسته، ونظرت في حجج بعثة الجمعية الوطنية والأحزاب السياسية والسلطات الدينية والممثلين البارزين للتيارات الفكرية الكبيرة، واعتبر بصراحة أنه يجب حظر ارتداء اللباس أو وضع الرموز التي تظهر بوضوح الانتماء الديني في المدارس الرسمية...". هكذا بكل بساطة، تنحر الحرية باسم الحرية، وبدون أي حرج يعقب: "هدفنا... جعل الشباب يدركون تحديات المرحلة، وحمايتهم من التأثيرات والأهواء التي تفرض قيوداً عليهم أو تهددهم بدلاً من أن تحررهم أو تسمح لهم بالتأكيد على حقهم بالاختيار بحرية"!! ولسائل أن يسأل، هل ترك هذا القانون للشباب حقاً في أي اختيار بحرية؟!!..

طبيعة الردود... كثيرة كانت الردود على الموقف الفرنسي الذي يبدو أنه ظل يطبخ في مصانع القرار هناك زمناً طويلاً... ولعل أهم تلك الردود لم تكن إسلامية بقدر ما كانت غربية، ولذلك أبعاد ناشئة عن طبيعة الأهداف غير المعلنة لهذا المشروع (الحضاري) الغربي... فقد انتقدت الصحف الأميركية ما أطلقت عليه "أصولية علمانية" في الموقف الفرنسي، وحذرت "الهيرالدتربيون" أن هناك احتمالاً كبيراً بأن يجنح المتدين إلى التعصب... وقد اعتبر وزير الداخلية الفرنسي "نيكولا ساركوزي أن من شأن هذا القانون أن يزيد من حدّة المشكلات، وأن على الدولة أن تنأى بنفسها عن إملاء المعتقدات على الناس". أما في عالمنا الإسلامي والعربي، فقد تفاوتت الردود بين السياسية، والاجتماعية والدينية، التي تؤكد على مبدأ الحرية الفردية من جانب، وعلى كون الحجاب أمراً تعبدياً فردياً وليس تحريضياً أو استفزازياً كما يحاول أن يظهره التقرير، أو كما يحاول الإعلام الاستكباري لأغراض سياسية تخدم المشاريع والمصالح الغربية، وذلك من خلال توجيه الذوق العام لدى الشباب العالمي باتجاه التلازم بين الإسلام والإرهاب من جهة، والإسلام والتخلف والظلامية من جهة أخرى، في محاولة لطمس معالم الصحوة الإسلامية بمفرداتها الثقافية والسياسية، والتي بدأت تشق طريقها في العالم...

ومع كل ذلك يبقى السؤال الملح، الذي يبحث عن الجواب... فإلى أي مدى تشكل ظاهرة الحجاب من بين كافة المفردات الثقافية الإسلامية خطراً على السِّلم العالمي والحرية والعلمنة وما إلى ذلك من مفردات؟!... وإلى أي مدى تفلح مثل هذه القرارات بوضع حدٍّ لتلك الظاهرة وما يمت إليها بصلة من جانب آخر؟! خلاصة القول: يبدو أن هناك أسباباً أخرى، أدّت إلى هذا الحشد الغير مبرر لكل محطات ومواقف السياسة الغربية المعاصرة، ويمكن على الأقل ملاحظة سببين اثنين يفضيان بطبيعة الحال إلى هدفين من جنسهما وهما:

أولاً: تفجير قنبلة ثقافية تثير الغبار الكثيف في الأجواء الثقافية في العالم، مما يحوِّل مؤشر الذوق العام الأوروبي عن الأحداث السياسية والجرائم الفظيعة التي ترتكبها الحضارة الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها "إسرائيل" وبالتالي الحد من وتيرة (العداء للسامية) التي أظهرتها في الآونة الأخيرة مراكز استطلاع الرأي في أوروبا... وفي هذا المجال يذكر الرئيس الفرنسي في الخطاب: "... كما يجب أن نشن بتيقظ وصلابة نضالاً بلا هوادة ضد كره الأجاني والعنصرية وخصوصاً العداء للسامية". وفي مكان آخر يقول: "... من جهة أخرى، سينشى‏ء رئيس الوزراء مرصداً للعلمنة مكلَّفاً بتحذير الفرنسيين والسلطات العامة من مخاطر الانحراف عن هذا المبدأ الأساسي أو الإخلال به". فهل يكون كل هذا العويل من أجل إصلاح ما أظهرته مراكز الاستطلاع منذ مدّة قريبة من مواقف إزاء العدو الصهيوني وعرَّابه الأميركي؟ وهل يكون هذا المرصد الذي يشاد لرصد تطور العلمنة، إنما هو في الحقيقة لمراقبة تطور الذوق العام الأوروبي بإتجاه القضايا المصيرية لأمتنا؟!!

ثانياً: في إطار التنافس بين الدول التي تعتبر نفسها لائقة بقيادة العالم، نذكر أن الرئيس الفرنسي منذ أول يوم تولى فيه مقاليد السلطة، حاول أن يقول عملياً أنه على رأس دولة عظمى، فقام بتفجير نووي تجريبي... غير أن تطورات السياسة الدولية تحركت على عكس ما يريد، وبات واضحاً أن صاحبة القرار في السياسة الدولية، هي الولايات المتحدة الأميركية بما تملكه من تكنولوجيا ومفاتيح للقرار السياسي... ولكن هل يستسلم الفارس؟ وكما وجدت السياسة الأميركية ذريعة "أسلحة الدمار الشامل" التي لم تظهر حتى الآن لغزو العراق وبالتالي غزو المنطقة بكاملها غزواً عسكرياً... كذلك يحاول رئيس الدولة التي ترفع لواء الحرية والعلمنة وبمبررات غير كافية، عنوانها العلاقة بين "الحجاب والإرهاب" شن حملة شعواء في ظاهرها ثقافية، وهي في الواقع سياسية بامتياز... فهل يفلح عراب الحرية في اجتياحه الثقافي؟..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع