أبارك ذكرى الولادة السعيدة والمباركة لخاتم الأوصياء ومفخر الأولياء الحجة بن الحسن العسكري أرواحنا لمقدمه الفداء لجميع مظلومي الدهر والمستضعفين في العالم. ويا له من يوم مبارك هذا الميلاد العظيم لشخصية ستقيم العدل الذي كانت من أجله بعثة الأنبياء عليهم السلام. ويا له من يوم مبارك يوم ميلاد رجل سوف يطهّر العالم من شرّ الظلمة والمحتالين، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، ويقمع مستكبري العالم، ويجعل مستضعفي العالم وارثي الأرض.
ويا له من يوم مبارك وسعيد عندما تطهّر الأرض من الاحتيال والفتن، ويرفرف لواء العدل الإلهي على كل العالم، ويُقضى على المنافقين والمحتالين، ويرفرف لواء العدل والرحمة الإلهية على الأرض ويحكم البشرية قانون العدل الإسلامي فقط، وتنهار قصور الظلم وتجمعات الاستبداد، وتتحقق الغاية المنشودة من بعثة الأنبياء عليهم صلوات اللَّه وحماة الأولياء عليهم السلام، وتنزل بركات الله على الأرض، وتنكسر أقلام العار، وتقطع ألسنة النفاق، ويشع سلطان اللَّه تعالى على هذا العالم، وتهرب الشياطين وذوو الشيطنة، وتزول هذه المنظمات التي تنادي بحقوق الإنسان كذباً وبهتاناً. ونسأل اللَّه أن يعجل بمجيء ذلك اليوم السعيد بظهور هذا المولود المبارك وإشراق شمس الهداية والإمامة.
*فلسفة الغيبة
وإن قضية صاحب الأمر هي قضية مهمة تفهمنا مسائل عديدة، منها أن مثل هذا العمل العظيم والذي بواسطته سوف تملأ الأرض عدالة بمعناها الواقعي لا يوجد بين البشر من يقدر على تحقيقه سوى المهدي الموعود سلام الله عليه، والذي ادخره الله تبارك وتعالى للبشرية؛ فالعدالة كانت هدف جميع الأنبياء وأرادوا أن يطبقوها في جميع العالم، لكنهم لم يوفقوا لذلك، وحتى إن الرسول الخاتم صلى الله عليه وآله، الذي جاء لإصلاح الناس وتربيتهم ولتحقيق العدالة، لم يوفق في زمانه لتحقيقها بهذا المعنى. وإن الذي سيتمكن من ذلك، وسوف ينشر لواء العدل في كل الأرض، هو الإمام المهدي. وإن العدالة التي سوف ينشرها هي ليست هذه العدالة التي يفهمها الناس العاديون، والتي هي فقط العدالة في الأرض من أجل تحقيق رفاه الناس، بل العدالة في جميع مراتب الإنسانية، إذ إن إعادة الإنسان عن انحرافه سواء الانحراف العملي أو الروحي أو العقلي إنما تعني تحقيق العدالة في الإنسان. فلو كانت أخلاقه منحرفة فإن اعتداله وتركه هذا الانحراف يعني تحقق العدالة عنده. إذا كانت هناك انحرافات في العقائد فإن تصحيح تلك الانحرافات الموجودة في العقائد وجعلها عقيدة صحيحة وصراطاً مستقيماً يعني إيجاد العدالة في عقل الإنسان. إن هذا سيحدث في زمان ظهور الإمام المهدي الموعود سلام الله عليه الذي ادخره الباري، لأن أحداً من الأولين والآخرين لم تكن عنده هذه القدرة، وإنها موجودة فقط عند المهدي الموعود.
إنه سوف يملأ جميع العالم عدلاً؛ وهذا ما لم يتمكن منه الأنبياء رغم أنهم جاءوا لأداء تلك المهمة ؛ فالله تبارك وتعالى ادخره لتحقيق هذا المهم الذي كان حُلم الأنبياء، بيدَ أن الموانع جعلتهم غير قادرين على تحقيق ذلك، وكان أمل جميع الأولياء، ولكنهم لم يوفقوا إليه، وأنه سوف يتحقق بيد هذا العظيم. وهذا هو سبب العمر الطويل الذي وهبه الله تبارك وتعالى له؛ فنحن نفهم أنه لا يوجد بين البشر من هو مؤهل لهذا المهم، والذين كانوا بعد الأنبياء لم يوفقوا لتحقيق هذا الهدف؛ فبعد الأنبياء والأولياء الكبار آباء المهدي الموعود لم يكن هناك أحد يستطيع تحقيق ذلك، لذا فلو أن المهدي الموعود كان يذهب إلى جوار رحمة الحق كسائر الأولياء، لما كان بين البشر أحد يقدر على تطبيق العدالة، وقد ادخره الله لهذا العمل العظيم. ولهذا، فإن عيد ولادة صاحب العصر أرواحنا له الفداء يعدّ أكبر عيد للمسلمين، وأكبر عيد للبشرية جمعاء، وليس للمسلمين فحسب.