إيفا علوية ناصر الدين
عندما سألته عن كلمة يختصر فيها تجربته، وعبرة علّمته إياها الأيام، ونصيحة يتكرّم بها على من لا يزال في بداية أو منتصف الطريق، هزّ ذلك الرجل المسن الذي تُخبر الأثلام المحفورة على جبينه والعروق النابتة على صفحة يديه عن عمر يقارب التسعين عاماً، هزّ برأسه هزات متباطئة تحكي حسرة دفينة على عمر مضى، شبك يديه ببعضهما بعدما فركهما قليلاً ربما ليبث فيهما حرارة تدفئ قشعريرة باردة سرت في أنحاء جسده المتهالك، تململ في جلسته متحضراً للإجابة وعضّ على شفته لحظة ثم أرخاها للكلام قائلاً: يا ابنتي، صدّقي الحقيقة التي تقول إن العمر غفلة، تسعون عاماً بالنسبة إليك يبدو رقماً كبيراً يحتضن في طياته عقوداً من السنين المتراكمة.. لكنه بالنسبة إليّ لم يكن سوى عمر مضى أمام عينيّ متسارعاً كلمح البصر. يا ابنتي، على كل إنسان أن يدرك باكراً وليس متأخراً حقيقة الهدف الذي من أجله وُجد على هذه الدنيا وأن يسعى جاهداً لتحقيقه محدداً أولوياته وراسماً خطة سيره المؤدية إلى سبيل النجاة. يا ابنتي، لا شيء في هذه الدنيا، لا شيء، يستأهل أن يخسر الإنسان لأجله الحياة الخالدة التي تنتظره في الآخرة.
أي لذة وأي سعادة تجرنا لمعصية اللَّه عزَّ وجلَّ هي لذة وسعادة آنية ومؤقتة تزول ملامحها لتبقى آثارها تجر بنا إلى الهلاك. لقد تكلّم ذلك الرجل وأخرج الكثير مما يثور في بركان أعماقه، وكان كمن وجد متنفساً ينفخ فيه كل ما يختلج في نفسه من مشاعر وأسىً على أيام تناثرت إلى غير رجعة، وختم قائلاً: هذه نصيحة لوجه اللَّه من عجوز أوجعته آلام الحسرة والندامة بعدما ذبلت أوراق عمره، وفتك به الشيب، وأقعده المرض، وأعجزه الفتور عن الحركة والنشاط: لا تضيعوا أيام عمركم سدى، استثمروا كل ساعة بل كل لحظة، جدوا واجتهدوا للسير في رضى اللَّه ما دمتم في عز قوتكم وطاقتكم، أنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان!.