مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فنون: أرض الطف.. فيلم يحكي الواقعة

تحقيق: منهال الأمين‏



لعلها المرة الأولى التي يُقدَّم فيها عمل متكامل عن سيرة الإمام الحسين عليه السلام، في قالب تمثيلي، وبالرسوم المتحركة هذه المرة. الفكرة عمل عليها مركز بيروت الدولي للإنتاج الفني، حيث أنتج فيلماً سينمائياً، تحت عنوان "أرض الطف" يحكي سيرة الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، وما جرى عليهم من مصائب وويلات، منذ أن مات معاوية بن أبي سفيان في دمشق العام 60 للهجرة وخلفه ابنه يزيد، مروراً بطلب البيعة له من الإمام الحسين عليه السلام، وخروجه من مدينة جده صلى الله عليه وآله إلى مكة، وصولاً إلى كربلاء حيث حال القوم دونه والوصول إلى الكوفة، التي أرسل إليها ابن عمه مسلم بن عقيل، لأخذ البيعة من أهلها بعد آلاف من الكتب وصلته من هناك تطلب منه القدوم. ولكن الكوفة انقلبت على بيعتها، وقُتل ابن عقيل، وصارت المواجهة حتمية بين الحسين عليه السلام وأصحابه قليلي العدد، وجيش بني أمية الجرار في تلك الأرض المسماة كربلاء أو نينوى أو الغاضرية أو... "أرض الطف".

* الأول من نوعه‏
من خلال الرسوم حول أهل البيت عليهم السلام، والتي أتقنها الشيخ محمد اليقظان وهو خريج جامعة السوربون الفرنسية في اختصاص الفن التشكيلي، بدأت فكرة "أرض الطف" كفيلم يؤرخ لسيرة الإمام الحسين عليه السلام ثم اتجه التفكير إلى إنتاج فيلم للصور المحرَّكة من خلال الكمبيوتر وتقنياته في هذا المجال فاليقظان حينما عاد من فرنسا إلى موطنه العراق، استقر في قم المقدسة، وعكف على تحصيل العلوم الدينية في حوزتها المشهورة. ولكنه خلال هذه الفترة لم ينقطع عن الرسم، وتحديداً من وحي أهل البيت وتجسيد كراماتهم ومواقفهم. وقد جال في الكثير من البلدان، في سلسلة من المعارض عن الإمام الحسين والأئمة الميامين من عترة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله. وكمحصلة لتلك المعارض تولى الشيخ محمد اليقظان وضع السيناريو والحوار، أما الرسوم وتحريك الكمبيوتر فعمل عليها الشيخ محمد البيضائي، وساعده في ذلك الرسام حسن البيضائي. وقد استمر العمل في الفيلم مدة عامين، حيث شاركت فيه نخبة من الفنانين اللبنانيين الذين أدوا الأصوات، وكذلك عدد كبير من الاختصاصيين في مجالات المؤثرات الصوتية والمكساج والإخراج الإذاعي والتقني... يعتبر فيلم "أرض الطف" بحسب الأستاذ أحمد حوماني (مدير مركز بيروت الدولي للانتاج الفني)، الأول من نوعه في العالم العربي(إن لم نقل الإسلامي أيضاً) الذي يحكي سيرة الحسين عليه السلام كاملة. وهو منتج بأيدٍ عربية بشكل كامل، بدءاً بالرسوم والإخراج والنص، وصولاً إلى الممثلين والإنتاج والتسويق. ويعتبر حوماني أن مثل هذه الأعمال التي تحوي مضموناً إسلامياً، عادة ما تُنتج في الخارج، مشيراً إلى الجهود الكبيرة التي بُذلت في سبيل إنجاح العمل، من قبل جميع العاملين فيه، سواء في المؤثرات الصوتية والميكساج (حسن غملوش) والإخراج الصوتي (عدي رعد)، لجهة تأمين بعض المؤثرات غير المتوفرة بسهولة، أم في أداء حوالي 33 ممثلاً من أبرز الأسماء على الساحة الفنية في لبنان (جهاد الأطرش، علي شقير، صبحي عيط، عمار شلق، وسام صباغ، بيار داغر...)، الذين أعطوا أفضل ما عندهم من أداء احترافي، كان وقعه حاضراً بقوة لدى كل من شاهد الفيلم، فلمس ذلك بكل وضوح. فضلاً عن الموسيقى التي وضعها خصيصاً للفيلم الموسيقار العراقي "نصير شما"، الذي أشرف بنفسه على مراحل الميكساج، ووضع مقطوعات موسيقية منتخبة للفيلم، ولكل مقطع مقطعه (14 مقطعاً موسيقياً). ويؤكد حوماني أن الفيلم هو محاولة واعدة لمزيد من الإنتاج الفني، وقد لقي رواجاً واسعاً في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية. وهو إنما وضع ضمن سياسة واضحة لمركز بيروت، في نشر الثقافة الإسلامية والأخلاق السامية التي تميز بها السلف الصالح من الأنبياء والأئمة عليهم السلام. ولعل هذا ما يجعله متفوقاً على الرسوم المتحركة التي تغزو عقول النش‏ء الطالع، من حيث المضمون والشكل والهدف.

* نقاط حول الفيلم‏
ومن الأمور التي حرص المركز على أن تتوفر في هذا العمل الفني ما يلي:
أولاً: اعتمدت الرواية التاريخية على مصادر عامة تلقى رواجاً بين المسلمين (تاريخ الطبري، ابن الأثير...).
ثانياً: جاء سيناريو الفيلم ملطفاً بحيث تفهمه الناشئة، ويتقبله الكبار، لا بل إنه لم يكن موجهاً لسن محددة، كما قد يوحي كونه رسوماً متحركة.
ثالثاً: ابتعد الفيلم عن تصوير أي مشاهد قد تعتبر عنيفة أو دموية.
رابعاً: حصل على موافقة المرجعيات الدينية في لبنان.

وكذلك فيُسجل حول الفيلم أنه:
* أرّخ لسيرة الإمام الحسين عليه السلام ما بين موت معاوية، واستشهاده عليه السلام في كربلاء العام 61 للهجرة. ولم يركز على واقعة كربلاء، كحدث بذاته، بحيث صارت المعركة جزءًا من الفيلم وليس محوره، بل ركز أكثر على مضامين السيرة الحسينية الشريفة. ومن هنا، ربما كان الأجدر تسميته باسم "سيد الشهداء"، أو غير ذلك من أسماء تدلل على الشخصية وليس على الجغرافيا، رغم ما تحمله من دلالات ومعانٍ.

* على الرغم من إبراز شخصيات مهمة في واقعة الطف كأبي الفضل العباس، وعلي الأكبر والطفل الرضيع، والأنصار كحبيب بن مظاهر والحر ... فقد غابت عن أحداث الفيلم شخصية القاسم بن الحسن، وهو الفتى الحدث الذي دافع عن عمه الحسين عليه السلام واستشهد بين يديه يوم كربلاء. ولعل هذا يشكل ثغرة في عمل فني موجه في الأساس للناشئة (من هم في عمر القاسم عليه السلام). وقد يكون ذلك ناجماً عن جدل قائم حول شخصيته وعمره ومصيره في تلك الواقعة.

* أبرزت المشاهد والأحداث التي توالت في الفيلم، عظمة أن يقف المرء في وجه الظلم والطغيان، وأهمية التصدي وعدم الرضوخ للطاغية مهما كان متجبراً. وكذلك يتلمس المشاهد مدى تسلط الفئة الحاكمة في تلك الفترة، وعظمة الموقف الذي وقفه الحسين عليه السلام وأصحابه في مواجهة وطأة الظالمين وسطوتهم.

* أكد على الكثير من المفاهيم الإسلامية السامية، من قبيل الوفاء والإخلاص والتفاني، التي تجلت في مواقف أصحاب الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته، وطاعة القيادة رغم كل الصعوبات، كما هو حال مسلم بن عقيل الذي لم يتزحزح عن اتباع الحق قيد أنملة، فأدى أمانة الحسين عليه السلام، ولم يغدر حتى بمن يدرك أنه قاتله بعد هنيهة (عبيد الله بن زياد لما دخل منزل هانئ بن عروة وكان ابن عقيل يختبئ داخله)، والتوبة النصوح، التي خيرُ من مثلّها في تلك الساعة الحرجة الحر بن يزيد الرياحي.

* حاول الفيلم التركيز على محطات منسية في واقعة كربلاء، أو يتم تناولها عادة بشكل مقتضب.

* برزت السيدة زينب عليها السلام كمحور أساس في حركة الإمام الحسين عليه السلام وثورته على الظالمين، والتي تابعت فصولها زينب الكبرى في الكوفة والشام ومدينة الرسول صلى الله عليه وآله وأينما حلت عليها السلام. فيلم أرض الطف هو محاولة واعدة كما يسميه البروشير الإعلاني المعد له، وهو بحسب ما أفاد الأستاذ أحمد حوماني لقي صدى كبيراً لدى الناس من مختلف الأعمار، والإقبال على مشاهدته لم يعد محصوراً في سن محددة، بل إن الكبار والصغار يأنسون بما يقدمه الفيلم من مادة فنية تاريخية، تشبع خيال المرء عما جرى على أهل البيت عليهم السلام العام 61 للهجرة. وقد شهد اليوم الأول من عرضه في دور السينما إقبالاً كثيفاً، لا سيما في حفل الافتتاح الذي حضره ما يقارب‏800 شخص بينهم علماء وسياسيون وديبلوماسيون وأدباء وتربويون. وقد أصغوا جميعهم للفيلم طيلة ساعتين كاملتين، وأثنوا على الفكرة والجهد الكبير المبذول لإنجاحها.  كذلك فإن مركز بيروت بدأ يتلقى طلبات من شركات إنتاج في دول عدة، من الكويت والبحرين وإيران ومصر وأفغانستان وباكستان... وكذلك من دول شرق آسيا (أندونيسيا). ولذا، فإن المركز يعكف على إعداد ترجمة باللغتين الإنكليزية والفرنسية، وكل ذلك يندرج في سياق "محاولات المركز نشر السيرة المعطرة لأهل البيت عليهم السلام في أقصى مدى ممكن".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع