مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أهل البيت: القرآن الناطق

مقابلة مع سماحة الشيخ علي سائلي(*)

حوار: منهال محمود الأمين‏


لا يستطيع المرء أن يعتبر نفسه موالياً ومحباً لأهل البيت عليهم السلام، طالما أنه لا يستنّ بسنتهم ولا يهتدي بهديهم. بل إنه أيضاً لا يستطيع وليس ذلك منطقياً أن يشغل قلبه بحبهم عليهم السلام فقط وهم لأَهَل لذلك إذا لم يترجم حبه عملاً صالحاً وسيرة خيِّرة. فالإنسان بطبعه يسعى إلى الكمال. والأئمة عليهم السلام جسدوا هذا الكمال ووصلوا إلى القِمة. ولذا، فإنه من الطبيعي أن يميل الإنسان إليهم ويعشقهم. وبالتالي، فإن من الضرورة أيضاً أن يحب أعمالهم ويقتدي بها في حياته، وإلا فلا معنى لحبه وتعلقه بهم. ومن هنا وجب على المؤمن الموالي ألا يقتصر في علاقته بأهل البيت عليهم السلام على البعد العاطفي وإن كان هذا أمراً راجحاً ومطلوباً بل إنما يجب أن يتعدى ذلك إلى المواظبة على العمل الصالح واجتناب المعاصي، لأن التعلق والتأثر العاطفي وحده لا ينفع، إذا كان مجرداً من التأسي والاقتداء بهم وبسيرتهم العطرة.

* حب أهل البيت عليهم السلام مشروع قرآني:
وحول هذه الأفكار كانت مجلة "بقية اللَّه" في حديث مشوق مع سماحة الشيخ علي سائلي، مدير حوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في بيروت، حيث بدأه سماحته من الآية الكريمة ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (الشورى: 23). حيث يرى سماحته أن مفهوم حب أهل البيت عليهم السلام، إنما هو مرتكز إلى أصل (مبدأ) قرآني. وهناك "مشروع قرآني" تطرحه هذه الآية الكريمة. وفي ذلك تفصيل، يوجزه فضيلة الشيخ سائلي بالنقاط التالية:

أ _ أولاً: دلالة كلمة "قل" تقود إلى استنتاجين:
1- الحكم هنا لم يكن من قبل الرسول صلى الله عليه وآله، بل كان من عند اللَّه عزَّ وجلَّ. والرسول صلى الله عليه وآله كان الواسطة للإبلاغ.
2 - استعمال كلمة "قل" إنما تشير إلى أن اللَّه تبارك وتعالى يريد إذاعة وبث (الإفشاء) المقول، أي ما يأتي في السياق بعد كلمة "قل".
ب - ثانياً: من خلال الآية الكريمة، نجد أن المودة في القربى تساوي رسالة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله.
وهناك في القرآن الكريم أمران يتساويان مع رسالة الرسول صلى الله عليه وآله:

الأمر الأول، ورد في سورة المائدة الآية 67 حيث يقول عزَّ وجلَّ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. وقد ورد كما هو معلوم أن ذلك الأمر الذي يجب تبليغه، وهو يساوي الرسالة (فما بلغت رسالته)، هو ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.

أما الأمر الثاني: فهو ما أكدته الآية مورد حديثنا "قل لا أسألكم..."، وهو المودة في القربى. فاللَّه سبحانه وتعالى يأمر نبيه الكريم أن يقول للناس: "أنا لا أريد منكم أجراً إلا... المودة في القربى، فهي أجر الرسالة وجزاؤها. والجزاء عادة ما يساوي العمل، إلا إذا كانت هناك قرينة معينة واضحة تدل على خلاف ذلك.

ج- ثالثاً: قال اللَّه تعالى: "المودة في القربى" ولم يقل "المحبة أو الحب في القربى". فهناك فرق بين "المودة" و"المحبة"، حيث يقول أكثر اللغويين إن المحبة أعم من المودة، وبتعبير آخر فالمودة "أخص". أي أن المحبة يمكن أن تظهر ويمكن أن تخفى في القلب. أما المودة فهي المحبة الظاهرة المعلنة، التي يريد منا اللَّه عزَّ وجلَّ أن نذيعها، وأن نطلقها في كل المجالات.

د - رابعاً: كلمة "من" على مَن تدل؟ أي "من هم القربى"؟ في عقيدة الشيعة، من الواضح أن القربى هم: أمير المؤمنين عليه السلام وزوجته الصديقة الزهراء عليها السلام، وأحد عشر إماماً من ولدهما، وهم الأئمة المعصومون عليهم السلام. وكذلك فإن هذا ما يذهب إليه بعض أهل السنة. فد وردت في كتاب "فضائل الصحابة" لابن حنبل، المجلد الثاني، ص‏669، رواية عن ابن عباس حيث يقول: "لما نزلت "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى"، وقيل: يا رسول اللَّه، من قرابتك الذين وجبت علينا مودتهم؟ قال صلى الله عليه وآله: علي وفاطمة وابناهما" (من الرواية نتبين أن المراد بالقربى في الآية هم أمير المؤمنين عليه السلام والزهراء عليها السلام والحسن والحسين عليه السلام على الأقل).

ه - خامساً: يقول تبارك وتعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا. ويقترف هنا بمعنى "يعمل أو يكتسب". والمقصود ب"مَنْ" كما نجد في سياق الآية الكريمة هو مَنْ يود القربى. فمَن مِن المحبين ومِن أهل المودة في القربى، اقترف حسنة، أي عمل صالحاً، "نزد له فيها حسناً"، أي يُضاعف له أجر ذلك العمل جزاءً له على "المودة في القربى". وهذه ميزة خص اللَّه تعالى بها محبي أهل البيت عليهم السلام، المقتدين بهم، العاملين بأخلاقهم.

* أهل البيت عليهم السلام القرآن الناطق‏
* ولكن هل "مودة أهل البيت عليهم السلام" هي هدف بحد ذاتها أم ماذا؟

كما يستفاد من الآية الكريمة فإن "مودة أهل البيت عليهم السلام" هي هدف من الأهداف الإلهية، ولكنها ليست هدفاً نهائياً، بل هي هدف متوسط، أي مرحلي أو انتقالي. وهناك هدف نهائي يترتب على هذا الهدف، وهو أن اللَّه سبحانه وتعالى أنزل الكتاب العزيز بشكل يحتاج إلى "مفسر"، ولولا هذا المفسر، لحصلت الاختلافات في تفسير الآيات. وهذا الاختلاف سيؤدي إلى اختلافات مذهبية، قد تتطور لا سمح اللَّه إلى نزاع بين المذاهب. ولذا فالقرآن يحتاج إلى مفسر، ولكن من هم المفسرون الحقيقيون غير أهل البيت عليهم السلام، وتحديداً الأئمة المعصومين عليهم السلام؟ فهم من حقهم وحدهم فعل ذلك لأنهم "زُقوا العلم زقاً، عالمون غير معلَّمين". من هنا نجد أن الهدف النهائي من مودة أهل البيت عليهم السلام، هو أن المسلم إذا وجد في قلبه محبة ومودة لأهل البيت عليهم السلام، فإنه حتماً سيذهب إليهم، ليستفيد منهم في تفسير القرآن الكريم ومعرفة وفهم آياته وعلومه. ولذلك نجد في آية أخرى ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (الأنعام: 90). فعبارة "إن هو إلا ذكرى للعالمين" هي بمنزلة التعليل. فلماذا الرسول صلى الله عليه وآله لا يريد من الناس أجراً؟ ذلك أن السبب هو أن القرآن ذكرى للعالمين. يعني أن فهم القرآن ومعرفته هو الأساس والهدف النهائي في هذه المنظومة الإنسانية وللوصول إليه بحاجة إلى مفسر القرآن والوصول إلى مفسّر القرآن بحاجة إلى عنصر الحبّ حتى يشدّ بالمفسّر ويتلقّى منه حقيقة القرآن بذلك تنسجم الآيات.

* ما هي طبيعة علاقة الإنسان المؤمن بالأئمة عليهم السلام وهل هي هي خاضعة للعلاقة التكوينية؟
أتصور أن هناك علاقة تكوينية، وهذا فيه تفصيل:

فإذا قلنا إن هناك علاقة تكوينية بين الإنسان وبين الأئمة عليهم السلام بذواتهم وأشخاصهم بالتحديد، فهذا مشكل. أما إذا قلنا إن الإنسان خُلق عاشقاً للكمال وجُبل على حب الكمال، والأئمة عليهم السلام جسدوا الكمال، وكل إمام منهم هو إنسان كامل، فطبعاً كل من يتعرف إليهم، سيحبهم ويودهم. وبالتالي نستطيع القول إن هناك علاقة تكوينية بهذا المعنى. أما الأشكال الأخرى من العلاقات التكوينية فهي بحاجة إلى دقة أكثر.

* ماذا عن الانجذاب العاطفي للأئمة عليهم السلام؟ وهل هذا يتنافى مع العقيدة وصحة الاعتقاد بهم عليهم السلام؟
لا على العكس، بل قد يكون هذا البعد العاطفي للعلاقة بهم هو مقدمة طبيعية للاعتقاد الصحيح بهم، وهو بعد مطلوب. وكما سبق الحديث عن موضوع المودة، فإنه أيضاً يشكل ممراً للعبور إلى فهم القرآن الكريم فهماً صحيحاً من خلال معرفة أهل البيت عليهم السلام حق معرفتهم. وهم خير من يفسر القرآن، وبالتالي خير من يوصل الإنسان إلى العقيدة السليمة.

* إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام:
* سماحة الشيخ، بعد هذا العرض المفصل حول مودة ومحبة أهل البيت عليهم السلام، السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو السبيل الأمثل لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام بناء على ما تقدم من التأكيد على إشاعة وإفشاء ذكرهم في العالمين؟ من جملة المشاكل الاجتماعية التي تصيب مجتمعاتنا، أننا نتعرض لأحزان الأئمة عليهم السلام أكثر مما نتناول أفراحهم، مع أن القاعدة هي "يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا". ولذا يُتهم الشيعة بأنهم أهل البكاء وليسوا أهل فرح وسرور. ويتطرف البعض بالقول إن الشيعة هم أهل الاكتئاب. ولكن في حقيقة الأمر، هذا غير واقعي، فنحن بحاجة إلى "مشروع الفرح" كما نحن بحاجة إلى "مشروع الحزن". ثم إن البكاء على الحسين عليه السلام فضيلة، وفضيلة كبيرة أيضاً، وكل فضيلة يكتسبها الإنسان يفرح بها. ولذا، بعد البكاء على الإمام الحسين عليه السلام، نجد فرحاً في قلوبنا، وهذا أمر لافت. أما السبيل الأمثل لإحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، فهذا يحتاج منا إلى أن نسير في مشروع اجتماعي تغييري، يصوِّب مسار العادات والتقاليد السائدة. وفي هذا المجال نحن نحتاج إلى أن نعود إلى جامعة أهل البيت عليهم السلام، وإلى أن تكون لدينا حقاً جامعة إسلامية متخصصة في علومهم عليهم السلام، وهي علوم ذات منفعة عظيمة في المجالات كافة، في العقيدة، في الأخلاق، في الفقه والشريعة، وإلى ما هنالك من علوم تزخر بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فنحن مدعوون لأن نستثمر هذه المراسيم التي درج عليها الموالون والمحبون منذ زمن بعيد، كالمجالس الحسينية وغيرها من مناسبات، لكي نطرح أفكار ومفاهيم وعلوم أهل البيت عليهم السلام، لا أن نكتفي بقراءة العزاء وهو أمر راجح ومطلوب فقط. فالتعرف على علوم أهل البيت عليهم السلام ونشر تعاليمهم وثقافتهم، هو الوسيلة الفضلى والمثلى لإحياء أمرهم عليهم السلام خير إحياء.

*شفاعة أهل البيت عليهم السلام والحشر معهم:
* ماذا عن زيارة قبورهم عليهم السلام والسلام عليهم عند أضرحتهم المباركة؟

من جملة فوائد زيارة الأئمة عليهم السلام والسلام عليهم، أننا نتنعم بالاستضاءة من أنوارهم والاستنارة من فيوضاتهم. فنحن عندما نزور أضرحتهم عليهم السلام، فإن هذا الأمر يجعلنا نتعرف عليهم أكثر. وحينما نتعرف عليهم، فإننا نرجع إليهم ونستنير بنورهم وبالتالي نعرف حقيقتهم أكثر فأكثر.

* ما هي الشفاعة، وهل تنال كل موالٍ مهما كانت صفاته؟ وهل يُحشر محبو أهل البيت عليهم السلام معهم؟
حسب بعض المفسرين، ومدرسي العقائد، فإن الشفاعة في الآخرة هي ظهور الارتباط والاتصال بالأئمة عليهم السلام في الدنيا. فبحسب طبيعة اتصال الإنسان في الدنيا بالأئمة عليهم السلام، فإن هذا الاتصال يتجلى في الآخرة على صورة "الشفاعة". فذكر أهل البيت عليهم السلام والتقرب إليهم في الدنيا، يشد من عزيمة الإنسان على العمل الصالح، كما أنه يحصنه ضد ارتكاب المعاصي، وإلا فإن الإنسان إذا لم يكن مرتبطاً بأهل البيت عليهم السلام في هذه الدنيا، فإنه سيكون هشَّاً أمام الذنوب وبعيداً جداً عن التزود بالعمل الصالح. وذلك بسبب غياب القدوة، وهي أهل البيت عليهم السلام (وهنا يتوضح أكثر معنى الواسطة إلى اللَّه تعالى). إذاً كلما كان الارتباط بأهل البيت عليهم السلام أقوى، وكلما كان تأثيرهم في حياتنا أكثر حضوراً، كانت الشفاعة أكبر لهذا الإنسان، لأنها تتفاوت بحسب طبيعة الارتباط وأهميته. وكذلك فإن هذا الارتباط بهم عليهم السلام إذا ما كان بسيطاً وغير ذي قيمة، فإن الشفاعة في الآخرة ستكون ضعيفة وربما مقدمة لبعض الأشخاص. أما مسألة الحشر، فإن المؤمن حتى ولو كان على خير لا يُحشر مع الأئمة عليهم السلام، لأن مقامهم عليهم السلام مقام عالٍ وعالٍ جداً. فالمؤمن يطلب الحشر معهم، ولكن هناك حساب وكتاب، وليس الأمر بهذه البساطة، لأنه إذا كان كل من كان مؤمناً وعمل عملاً صالحاً سيحشر معهم فأين التفاضل إذاً؟ولذا فالحب العادي لا يكفي، فضلاً عن الحب المجرد من العمل الصالح. فالمؤمن بحاجة إلى حب شديد ومودة عظيمة لأهل  البيت عليهم السلام، مقترنة بعمل صالح دائم، حتى يكون لديه الأمل في أن يحشر معهم عليهم السلام في مقامهم العالي، وإلا فإنه سيكون محروماً من ذلك إذا أخل بشروط الولاء الحقيقي لأهل البيت عليهم السلام.


(*) مدير حوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله .

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع