17 ربيع الأوّل - ذكرى ولادة رسول اللّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلم
يقول الإمام السجّاد عليه السلام في الصحيفة السجّاديّة حامداً الله تعالى: "الحَمدُ لِلّهِ الَّذي مَنَّ عَلَينا بِمُحَمَّدٍ نَبيِّه دونَ الأُمَمِ الماضيَة وَالقُرونِ السّالِفَة"(1).
إنّ أهميّة الوجود الأقدس للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هي لدرجةٍ أن قد منَّ الله تعالى على البشريّة إذ منحها هذه النعمة: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (آل عمران: 164). وقد صرّحت الآيات القرآنيّة والأحاديث الواردة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام بالمنّة الإلهيّة لهذه العطيّة الكبرى إلى البشريّة، وهذا أمرٌ في غاية العظمة. والله تعالى عبّر عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء: 107)، ولم يقل: "لفرقة من البشر" أو "لجمع من العالمين"، بل قال: ﴿رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾. فهو يُهدي البشريّة تلك الرسالة التي جاء بها من عند الله تعالى، ويضع هذه البصيرة وهذا النهج بين يدي أبناء البشر كافّة.
•جهاد الكفّار
هناك بالطبع مَن لا يرغب، مِن أصحاب النفوذ والتسلّط، في أن يجلس الناس للضيافة على هذه المائدة الواسعة للرحمة الإلهيّة، ويعارض قوّتهم، ولذلك يقف أمام هذه الحركة الإلهيّة، فيقول الله سبحانه وتعالى حينئذٍ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ (الأحزاب: 1)؛ لا تسر وراءهم واحذرهم. ويقول في موضع آخر: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ (التحريم: 9)؛ يقول تعالى "جاهد"، وليس "قاتل الكفّار والمنافقين"؛ لأنّ القتال ليس واجباً ضروريّاً دوماً، ولكنّ الجهاد ضروريّ ولازم على الدوام.
والجهاد أنواع؛ فهو إمّا سياسيّ أو ثقافيّ، أو ناعم، أو صلب، أو بالسلاح، أو بالعلم... ولكن ينبغي الالتفات فيها جميعها أنّ الجهاد هذا إنّما هو جهاد في مواجهة العدوّ، ومكافحة أعداء البشريّة، ومحاربة الأعداء الذين يفرضون أعباء وجودهم الثقيلة ومطامعهم على البشريّة، اعتماداً على قدرتهم وأموالهم وتسلّطهم، ولا معنى للتوافق والانسجام معهم: ﴿اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾.
•على صراطٍ مستقيم
إنّ الآيات الكريمة التي نزلت حول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، والتعاليم التي أُعطيت له لتعلّمه بناء المجتمع الإسلاميّ الجديد خطوة بخطوة وكلمة بكلمة، كثيرة جدّاً. وصيّتنا إلى أنفسنا، وإلى شبابنا، وإلى المبلّغين للشؤون الدينيّة، وإلى من بيده مقاليد أفكار الناس، هي الرجوع إلى هذه الآيات كلّها، ومشاهدة هذه المفاهيم القرآنيّة جميعاً، فإنّها منظومة كاملة. إنّ مشكلتنا تكمن في أنّنا نغفل عن مجموعة التعاليم الكاملة التي يخاطب الله بها نبيّه، والصفات التي يصفه بها. فلو وضعنا هذه المنظومة الكاملة نصب أعيننا، حينها سيظهر لنا بوضوح ذلك المسار والموقف الصحيح، وذلك الصراط المستقيم الذي كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يسلكه: ﴿إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (الزخرف: 43)، فيجب إيجاد هذا الصراط المستقيم.
•الاتّحاد الإسلاميّ سبيل العلاج
إنّ العالم الإسلاميّ يعاني حالياً من محن كبرى، والسبيل لعلاجها هو الاتّحاد الإسلاميّ؛ أي الوحدة، وتكامل الجهود، والتعاون، وتجاوز الاختلافات المذهبيّة والفكريّة. إنّ نظرة القوّة الاستكباريّة والاستعماريّة إلى العالم الإسلاميّ اليوم، هي العمل لإبعاده عن الوحدة أكثر فأكثر؛ لأنّ وحدة العالم الإسلاميّ تشكّل تهديداً لها: مليار ونصف مليار مسلم، وكلّ هذه البلدان الإسلاميّة بهذه الموارد الكبيرة، وهذه الطاقات البشريّة الجبّارة؛ إن توحّدت فيما بينها، وتحرّكت متّحدةً نحو الأهداف الإسلاميّة، لما عاد بوسع المتسلّطين أن يقرعوا طبول قوّتهم في العالم، ولما صار بمقدور أمريكا أن تفرض إرادتها على البلدان والحكومات والشعوب، ولما كان باستطاعة الشبكة الصهيونيّة الخبيثة أن تمسك الحكومات والقوى المختلفة بمخالب اقتدارها، وأن تسيرها في طريقها ومسيرها، وتدفعها إلى العمل الذي تريده. إذا اتّحد المسلمون فسيكون الوضع هكذا.
•الصحوة الإسلاميّة تهديدٌ للاستكبار
منذ أن ظهرت علامات الصحوة الإسلاميّة في هذه المنطقة، تصاعدت وتيرة النشاطات لإثارة الفتنة والتفرقة؛ ذلك أنّهم ينظرون إلى التفرقة كوسيلة للهيمنة على الشعوب. ومنذ أن شعروا في هذه المنطقة بانطلاق آراء جديدة، وأفكار إسلاميّة حديثة، وتجلّي استقامة الشعوب وحيويّتها وثباتها، تسارعت حركة الأعداء المشعلة للفتن. بعد أن أُقيم النظام الإسلاميّ في إيران، وحمل راية الإسلام، ورفع لواء القرآن، وقال بكلّ فخر واعتزاز إنّنا نعمل بمنهج الإسلام، وكان يتمتّع بالقوّة والسياسة والإمكانات والجيش والقوّات المسلّحة، وراح يستثمرها ويعزّزها يوماً بعد آخر، أخذت حركة الفتنة والتفرقة هذه تسير بوتيرة أسرع، وباتوا يدعون هذه الحركة بشدّة إلى مواجهة هذا القيام الإسلاميّ وهذه العزّة الإسلاميّة. أصبح الإسلام يهدّدهم منذ أن منح الصحوة للأمّة الإسلاميّة، وأمّا ذلك الإسلام الذي لا يمتلك حكومة ولا جيشاً ولا جهازاً سياسيّاً ولا مالاً ولا شعباً كبيراً مجاهداً، فهو يختلف عن الإسلام الذي يتمتّع بهذه الأمور كلّها. فليحذر المسلمون من إثارة الخلاف والشقاق فيما بينهم، وعلى المذاهب والفرق الإسلاميّة جميعها أن تتغاضى عن اختلافاتها الفكريّة لمصلحة المشتركات الكثيرة.
إنّ الوجود المقدّس للنبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هو نقطة الارتكاز والمحور الأساس الذي تتوجّه إليه محبّة وتعلّق المسلمين كافّة. فالقرآن هو موضع اعتقاد واهتمام المسلمين جميعاً، والكعبة الشريفة كذلك، فما أكثر المشتركات بين المسلمين! والواجب هو أخذ هذه القواسم المشتركة بعين الاعتبار.
(*) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في يوم المولد النبوي الشريف صلى الله عليه وآله وسلم وولادة الإمام الصادق عليه السلام بتاريخ 17/12/2016م.
1.الصحيفة السجّاديّة، الدعاء (2).