الشيخ نعيم قاسم
نحن متجهون حتماً إلى نشر العدالة الإلهية على الأرض. وكلُّ يومٍ يمر يُقِّربنا منها. ومهما تكن الصعوبات كثيرة والفساد منتشراً والظلم سائداً، فإنَّها مرحلةٌ آيلةٌ إلى الانتهاء، من دون معرفةٍ لمدتها الزمنية، التي نسأل الله تعالى أن تكون قصيرة، وأن نكون في عصر الظهور.
ينطلق الأمل الحتمي بنشر دين الله على الأرض من الوعد الإلهي، الذي تكرَّر بصيغ مختلفة في القرآن الكريم، نذكر منها الآية الكريمة التي بيَّن تفسيرها أمير المؤمنين علي عليه السلام، حيث روي عن العياشي، أنَّه سمع أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ أظهَرَ بعد ذلك؟ قالوا: نعم. قال عليه السلام: كلا، فوالذي نفسي بيده، حتى لا تبقى قرية إلاَّ ويُنادى فيها بشهادة أن لا إله إلاَّ الله، بكرةً وعشياً"(1). إنَّنا معنيون بتثبيت هذا الأمل في حياتنا، إذ إنَّ الخضوع والتسليم لمسار الكفر والظلم يسبِّب الإحباط والانحراف، بينما تحفِّزنا الثقة والاطمئنان بانتشار دين الله تعالى على كل المعمورة للمزيد من العمل والجهاد وتعزيز إيماننا بالله تعالى وتوجيهِ سلوكنا نحو العبادة والطاعة والاستقامة. إنَّنا أمام زرعٍ سرعان ما سيثمر بركاتٍ وخيراتٍ لا حصر لها، فعن الإمام الصادق عليه السلام: " يُنتجُ الله في هذه الأمة رجلاً مني وأنا منه، يسوق الله به بركات السماوات والأرض، فتُنزلُ السماء قطرها، وتُخرجُ الأرض بذرها، وتأمنُ وحوشها وسباعها، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً، ويقتُل حتى يقول الجاهل: لو كان هذا من ذرية محمد لرحم"(2).
ما أضيَق العيش لولا فسحة الأمل، وما أرحبه عندما يكون الأملُ وعداً إلهياً وإخباراً نبوياً. عندما يكدُّ الواحد منا في هذه الدنيا ويبذل أقصى جهده لتحسين شروط حياته الخاصة مادياً ومعنوياً إنَّما يبني على الأمل لإنجاز ما تمنَّاه، وليس معلوماً أن يحصل على ما تمنَّاه، أمَّا بذل الجهد على أمل ظهور قائم آل محمد عجل الله فرجه ونشر العدل على الأرض فلن يضيع سدى، لأننا بانتظار النصر الحتمي. وبما أن الإنسان يعمل من أجل مستقبل سعيد ومطمئن، فسلوكه الإيماني المرتبط بالإسلام سيحقق له السعادة الحتمية والطمأنينة الأكيدة، حيث ستكون حال المعمورة مع ظهور الإمام عجل الله فرجه مختلفة عن حالها في غيبته، إذ تتدفق الخيرات عند ظهوره، وينعم المؤمنون ببركات وجود حكم وعدالة وانتصار صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
إنَّها إرادة الله تعالى أن يعيش البشر في هذه الحياة الدنيا تقلُّبات الأجيال عبر الأزمنة، حيث يتداول السُلطةَ المؤمنون والكافرون، ويبرز الكفر والفساد في أغلب الحقَب الزمنية في تاريخ البشرية، وتكون المحطَّات الإيمانية محدودة ولامعة، ثم تكون خاتمتها دولة الإمام المهدي عجل الله فرجه. ومن توفيقنا أنَّنا المنتظِرون لهذا النصر الإلهي الشامل والعظيم، وأن نكون الصابرين الذين يأملون عطاءات الله تعالى فلا يستبدلونها بمتاع الحياة الدنيا الزائل، وأن نهيئ أنفسنا لنكون مؤهلين كجنود وأنصار بقيادة الحجة عجل الله فرجه، لما ينتظرنا من بركات وتوفيقات لا يمكن الحصول عليها بواسطة السُبُل الأخرى.
عند الظهور يستعيد المؤمن قوته ويشعر بها، فعن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه عن جده علي بن الحسين عليه السلام أنَّه قال: "إذا قام القائم أَذْهَبَ الله عن كل مؤمن العاهة، وردَّ إليه قوَّته"(3). وكذلك يجمع الله عقول المؤمنين، وتكتمل أحلامهم وتتحقَّق رغباتهم، فعن أبي جعفر عليه السلام: "إذا قام قائمنا وضع الله يده على رؤوس العباد، فجمع بها عقولهم، وكملت به أحلامهم"(4). فيا أيُّها المؤمنون، تواصلوا وتبارُّوا وتراحموا فيما بينكم لتحصلوا على الأجر والثواب، فيسجَّل ذلك في صحيفة أعمالكم، فكلُّ كسبٍ في زمن الغيبة عزيزٌ لا يعوَّض، وله قيمة العمل الصالح المأجور في زمن الابتلاءات والاختبارات، وجدُّوا السعي لكل صلاحٍ وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر مهما غلت التضحيات، لأنكم بحاجة إلى هذا الرصيد لقبول الله تعالى لكم، ولانتمائكم إلى حركة الظهور المجيدة. عن الكاهلي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنَّه قال: "تواصلوا وتبارُّوا وتراحموا. فوالذي فلق الحبَّة، وبرأ النسمة، ليأتينَّ عليكم وقتٌ لا يجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً – يعني أنَّه لا يجد له عند ظهور القائم عجل الله فرجه موضعاً يصرفه فيه لاستغناء الناس جميعاً بفضل الله وفضل وليه-. فقلت: وأنَّى يكون ذلك؟ فقال عليه السلام: عند فقدكم إمامكم، فلا تزالون كذلك، حتى يطلع عليكم كما تطلع الشمس آيس ما تكونون، فإيَّاكم والشك والارتياب، وانفوا عن أنفسكم الشكوك، وقد حذَّرتكم فاحذروا. أسأل الله توفيقكم وإرشادكم"(5).
لا يستطيع أحد إحصاء بركات ظهور مولانا الحجة عجل الله فرجه، ولن يلتفت عندها إلى كل العقبات والصعوبات التي واجهها في زمن الغيبة، فإنَّ أنوار الظهور وخيراته حاجبةٌ لكل المآسي والتضحيات التي أحاطت بالمؤمنين. وثقوا أنَّنا كلما اجتهدنا وعملنا في طاعة الله تعالى، عجَّلنا من فرج مولانا الأعظم عجل الله فرجه. فلتشخص أبصارنا إلى هذا الهدف طاعةً لله تعالى، فنجمع خير الدنيا والآخرة.
(1) الشيخ الطبرسي، تفسير مجمع البيان، ج9، ص: 464.
(2) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج51، ص: 146.
(3) الشيخ النعماني، كتاب الغيبة، ص: 317.
(4) الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص: 25.
(5) الشيخ النعماني، كتاب الغيبة، ص: 152 و 153.