الشيخ يوسف سرور
انبثق فجر الحرية.. تبددت أوهام العابثين.. وتلاشت آمال البائسين، في لحظة الفصل بين غبار الأيام والسنين، التي جهد المرهقون في سبيل مراكمتها، ولَهَثَ المراهقون في سبيل تكريسها وتثبيتها تاريخاً مزوّراً لأمتنا، وسجلاً مُدّعىً لذاكرتنا.. والتي شاب صغارهم وهَرِمَ كبارهم من أجل فرضها واقعاً يزينون قبيحه، ويجمّلون دميمه...
ـ تبددت الأوهام في لحظة الفصل بين هذا الغبار وبين الحقيقة الناصعة الجلّية، التي لا يشوبها اضطراب ولا يحجبها سراب. تصدعت جدران الوهم بفعل قبضات الصادقين من رجال الله، وتحركت غبرة السنين المستبدة بذاكرة الطافين على سطح المشهد الفسيح... تحركت الغبرة في استثارة محمومة اضطربت لها قلوب البائسين، وحارت بها عقول العاثرين بأذيال خيباتهم... العقيدة الموهومة التي غرق في رعبهم لها مومياءات المشهد... المتربعون على عروش السلطان، وروّج لتكريسها أقلام شحذت حبرها من نقيعٍ آسن، وسلكت في طريق الانحدار، متجهةً بأتباعها نحو الضياع. العقيدة التي أخذت بمجامع قلوب المرعوبين، أنها أسطورة الحاضر وخيار المستقبل، تصدّعت جدرانها بصلابة الإرادات المزروعة في قلوب الأحرار، الذين زُعم زوراً أنهم أسرى، وهم أمثولة الأحرار وصقور الفضاءات الرحبة التي دمّرت أحلام الآتين من خلف البحار، وسفّهت آمال من احتلوا البلاد وقهروا أهل الديار. لم ييأس الثوار من وعد القهّار، ولم تنثنِ السواعد السمراء في اندفاعة العشق المضطرم في قلوب أصحابها.. ولم تهِن عزائم أهل الملاحم في صولة الخيارات ومعركة كل المواسم. خفقت بيارق الذاهبين باتجاه الجرح النازف الذي لا يعرف الالتئام.. نحو قلب الأمة الأسير. سالت دماء الشرفاء في جولاتٍ خلت إلا من أصحاب العزيمة الحسينية، وانكسرت في اشتدادها كل الرايات، سوى الراية الحيدرية..
الجولة الأخيرة اليوم بين أحفاد مرحب في خيبر وبين الميامين من اتباع حيدر... تبدد الوهم في العقيدة الأسطورة التي قيل إنها لا تُقهر.. وتحطمت جدران السراب التي سيّجت عقول التائهين ذات دهر.. وانجلت الغبرة المتراكمة في عقول البائسين، على يأس دوّى بضجيجه في أرجاء ذاكرة الأنذال... دمّرت إرادة رجال الله كل أسوار المدن والقرى.. أسوار سجون المدن والقرى، وكسّرت قيود المشاعر والأحاسيس المكبوتة في جنبات قلوب الطيبين، الذين خاب كل من لهث في سبيل نزع الأمل من قلوبهم.. في سبيل زرع اليأس في نفوسهم. في السادس عشر من تموز، لم تكن الحرية لسمير ورفاقه.. لدلال وهلال ورفاقهما من الشهداء من قبضات الأعداء، إنما كانت الحرية لكل النفوس المقهورة، والقلوب المكسورة في أمتنا. كانت الحرية لكل الآمال المكبّلة، والأحلام المقيدة بقيود الأوهام... الحرية التي تطلق المقهورين نحو آفاق لا يعتري نهارها عتمة.. الحرية المصنوعة بأنقى الدماء.. المدفوعة بعشق أطهر القلوب.. المشفوعة بوعود الصادقين من الأبرار على لسان سيد الأحرار.. رجال الله.. ونصر الله.