مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح اللَّه‏: العلم المقيّد بسلاسل الجهل‏

اعلم أن كل علم وعمل يبعدان الإنسان عن الأهواء النفسانية ويقللان من طغيان النفس، فهما العلم النافع الإلهي والعمل الصالح المطلوب. وبالعكس، كل علم وعمل يوجدان في الإنسان العجب والطغيان، أو على الأقل لم يُبرئاه من الصفات النفسانية والرذائل الشيطانية، فذانك العلم والعمل من تصرف الشيطان والنفس الأمارة. وإن ذلك العلم ليس نافعاً أو ليس علماً إلهياً.  ففي الكافي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: "يا طالب العلم، إن العلم ذو فضائل كثيرة. فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد..."(1).

فلا بد الآن للإنسان العالم العامل أن يفكر في نفسه وأحوالها وملكاته النفسانية، ويراقب نفسه ويفتشها بالكامل، ليرى ماذا أورثته العلوم أيَّاً كانت هذه العلوم ، وليرى إن كان من أهل المعارف، وهل أن نور معرفة اللَّه نوّر قلبه وأحب الحق ومظاهر الجمال والجلال وتواضع، أو أنه بسبب مزاولة بعض الاصطلاحات نظر إلى العالم وجميع العلماء بنظر التحقير؟ فإن كان هكذا، فليعلم أن هذه الاصطلاحات بلا لب، وصارت حجاباً أمام معرفة اللَّه ونقاباً أمام وجه المحبوب. فما يلزم لأن يخلص الإنسان من أسر النفس ويخرج من علائق الطبيعة، قد جعل الإنسان محبوساً في سجن الطبيعة وفي سلاسل الشيطان. فهذا المسكين يحكي عن منازل العشق والمحبة بصوت عالٍ، ويظهر المعارف الإلهية في أعين الناس، وهو يخفي صنم النفس وحبها وعبادتها تحت قبائه، وهو غافل عن اللَّه تعالى، ويطغى على عباده الذين هم منه تعالى. إن إبليس ابتعد بالتكبر على آدم عن مقام القرب. وأنت بهذا التكبر على بني آدم تريد أن تجد طريقاً إلى المعارف! هيهات، فنور معرفة اللَّه لا بد أن يجعل القلب إلهياً ويبعده عن حسن الظاهر، فلماذا أنتج فيك النتيجة العكسية؟ ولماذا جعل قلبك منزلاً للشيطان ومورداً لاستيلاء إبليس عليه؟! يا مسكين، زعمت أنك من أهل اللَّه والمعارف، وهذا أيضاً من تلويثات النفس والشيطان، حيث شغلك عن نفسك وأغفلك عن اللَّه، وأفرح قلبك بشي‏ء من المفاهيم والألفاظ الحميدة في مقام العلم، فأصبحت تتكلم عن تجليات الذات والأسماء والأفعال. ترى العالم من الحق تعالى، وجميع الموجودات من تجلياته. ولكن في مقام العمل، تشارك الشيطان وتتكبر على بني آدم وتطغى عليهم. فعند أهل المعرفة، هذا العمل تكبّر على الحق تعالى.

إن المعارف والعلوم التي توجد في الإنسان الطغيان والإذلال عوض التواضع والتذلل هي سؤر إبليس. وهذه الاصطلاحات لو جعلت هذه النتيجة في إنسان فهو أدون من جميع العلوم، لأنه يتوقع من تلك العلوم أن تجعل الإنسان إلهياً وتخرجه كلياً من قيوده النفسانية وتخلصه من حجب الطبيعة الظلمانية. وحتى أصحاب تلك العلوم لا يدّعون هذه الدعوى، فهم أقرب إلى السلامة. وعلى الأقل، لم يوجد فيهم هذا العجب المهلك، الذي هو من خواص إبليس، ولم تبعدهم وسيلة معرفة اللَّه عن ساحة الحق المقدسة. فلو أنهم تكبروا على الناس، فقد تكبروا على خلق اللَّه.  ولكنك أيها المسكين حسب إقرارك، فإن تكبرك على الخلق تكبر على الحق. فالويل لك أيها المسكين المبتلى ببعض المفاهيم، المشغول بشي‏ء من الاصطلاحات، وقد أفنيت عمرك العزيز بالغوص في بئر الطبيعة، وبعُدت عن الحق بواسطة العلوم والمعارف الحقة، فأنت خنت المعارف وجعلت الحق والعلم الحقّانيّيْن وسيلة للعمل الشيطاني. فتنبه من نومك قليلاً، ولا تفرح بهذه المفاهيم ولا تغتر بإبليس اللعين، فإنه يجرك إلى الهلاك، ويبعدك عن منزل الإنسانية وقرب الحق تعالى. ومن هنا، لا بد أن يعلم حال سائر العلوم، فإن كنت حكيماً أو فقيهاً أو محدثاً أو مفسراً، فانظر ما أبقت هذه العلوم في قلبك من تذكارات، وماذا أثمرت في شجرة وجودك. قال مولانا علي بن أبي طالب عليه السلام: "رأس العلم التواضع"(2). 

فإذا وجدت التواضع فيك والتذلل، فاشكر اللَّه تعالى واسْعَ في زيادتهما. ولا تغفل عن الحيل النفسانية، فإن النفس والشيطان بالمرصاد، وينتظران الفرصة ليصرفا الإنسان عن طريق الحق. ولا تغتر أبداً بكمالات النفس، فإن الغرور من الشيطان. فكن سيئ الظن بنفسك دائماً. وكن حذراً وخائفاً من سوء العاقبة. فإذا رأيت أن هذه العلوم حصّلت فيك الإعجاب بالنفس وحبها، فاعلم أنك صرت طُعمة لإبليس، وبعدت عن طريق السعادة. ثم انظر ماذا في يدك غير شي‏ء من الاصطلاحات الفارغة من اللب. فلو فرضنا أن في هذا العالم حيث لا تكشف السرائر يمكن التكبر على العباد ويمكن التعامل معهم بالتحقير والتوهين، فهل يمكن في القبر والقيامة أن يعبر الصراط بهذه الرجل الخشبية؟


(1) أصول الكافي، المجلد 1، ص‏83، كتاب فضل العلم، باب 14، ح‏2.
(2) أصول الكافي، المجلد 1، ص‏38، كتاب فضل العلم، باب 14، ح‏2.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع