أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

آخر الكلام‏: ذاكرة أيار

إيفا علويّة ناصر الدين

 



ثماني سنوات مرّت كغمضة عين، فما زالت تلك المشاهد تطوف في أرجاء الذاكرة، وكأنها حصيلة الأمس. وهل يمكن أن ينسى الإنسان أغلى ذكرياته؟! هل يمكن أن يتلاشى الشعور بالفرحة الغامرة التي تحفر أخاديدها عميقاً في أغوار القلب؟! هل يمكن أن تغيب ملامح النور عن العيون التي يتلألأ على شرفاتها بريق الأمل؟. لقد ألغى أبناء القرى المحررة ومعهم كل مواطن لبناني عايش حلم التحرير أي مسافة في الزمن بين أيار 2000 وما بعده، فصار أيار عنواناً أبدياً للمقاومة والتحرير، يسترجعون مع إطلالته في كل عام لحظات العودة إلى أرض المقاومة والشهداء، ويوميات الفرح وأهازيج الانتصار.

من هؤلاء فاطمة، التي ما زالت تتذكر كيف وقع الخبر على مسامعها، وهي تدخل إلى غرفة المعلمات بعدما أنهت حصتها، لتسمع صوت المذياع ينبئ بمعلومات تؤكد خبر تحرير قريتها، التي حرمها الاحتلال من رؤيتها طوال اثنين وعشرين عاماً، باستثناء المرة الوحيدة التي قضت فيها شهوراً هناك وهي في عمر السادسة. لم تصدق نفسها، لكنها أحسّت بحرارة الشوق تغلي في قلبها، ما دفعها على الفور إلى لملمة أغراضها مسارعة إلى طلب الإذن بالخروج، لأنها لم تعد تستطيع أن تعطي أي حصة. فقد شلّت قدرتها على التفكير بأي شي‏ء آخر غير قريتها الحبيبة، التي تجسّدت أمام ناظريها بصورها الرائعة وهي تنزع عن رقبتها أطواق قيود المحتل، وتزدان ببيارق الانتصار، وتتألق بأثواب العزة والافتخار. وبدأت الأفكار تتأرجح على حبائل مخيلتها: كم ستستغرق من الوقت حتى تصل مع كل هذه الحشود الوافدة إلى هناك؟ كيف سيكون المشهد الأول؟ بمن ستلتقي؟ أي مكان ستقصد أولاً: المدرسة التي تلقّت فيها الدراسة شهوراً عدة، قبل أن يضطر أهلها للمغادرة مجدداً إلى المدينة؟ أم البيت القديم الذي عاشت فيه أجمل الذكريات؟ أم الحقول الخضراء التي زرعت في حبيبات ترابها أجمل أحلام الطفولة؟ أم...؟! كيف سيتسع قلبها لكل تلك المشاعر التي ستلقي بثقلها على القلب المشتعل حباً وحنيناً وفرحاً وسروراً وفخراً واعتزازاً وانتصاراً؟!

ما زالت فاطمة ككثيرين غيرها تتذكر كل تلك اللحظات والتفاصيل بدقة. ومع كل إطلالة لأيار تتدفق المشاهد والملامح والومضات التي اتخذت لها معقلاً في القلب والوجدان. لكن يبقى الوقع المميز محفوراً في مسامات الروح لتلك اللحظة الاستثنائية، لحظة الانحناءة إلى وجنات التربة للسجود شكراً للباري على نعمة النصر، والدعاء بالخير لصانعي النصر: المجاهدين والشهداء، الذين ما زلنا ببركتهم ننعم بحياة المجد والعزة والكرامة والانتصار.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع