نهى عبد الله
بعد أداء مهمة استغرقت شهرين من العمل المتواصل والتنقل بين عدة مناطق، وصل قائد المحور في وقت متأخر من المساء من الجنوب إلى منطقته في بيروت، تجول في طرقاتها... الجدران والمنازل والطرقات الضيقة تنشر زينة شهر رمضان، وتبشر بحلول العيد على مسافة أيام معدودة... أهالي الحي كعادتهم يجتمعون ويسهرون... يشرعون أبواب منازلهم ويبعثون النهار جديداً في أمسيات السحر... ففي كل بيتٍ له صديق إما سبقه في قافلة الشهداء، وإما ما زال ينتظر معه، وفي كل بيتٍ وجع تقاسموا أنينه منذ أحداث الاجتياح الإسرائيلي... علّمتهم الآلام كيف يتقاسمون الأفراح كالهواء النقي. يصعب أن يأتي دون أن يتنفسه الجميع... فتنبض قلوبهم معاً.
وصل إلى منزله وعيناه تبحثان عن والدته بين مجموعة الجارات المجتمعات أمام المنزل. هبّت الوالدة عند رؤيته، فهي تعلم أن ساعاته عندها قليلة، فيما تهتف الجارات "حرسك الله، بتّ شاباً، لمَ لم نعد نراك؟". همست إحدى الجارات له: "ابني الصغير لم يقطع فرضاً من الصلاة منذ التحق بالفوج الكشفي لديك. دائماً أدعو لك فقد وفيت بوعدك".. نجحت والدته أخيراً في سحبه إلى الداخل وانقضت ساعة كاملة وهي تحاول عبثاً أن يرتاح ويأكل ويهدأ، وهو يسأل عن إخوته وأحوالهم والجيران والأهم... الشباب.
خرج يبحث عنهم، توائم الروح ورفاق الدرب... وجدهم في الملعب القديم... مع آخرين يصغرونهم سناً. قدم اقتراحاً سريعاً: "لدينا عمل مهم في شهر رمضان وهو يحتاج الجميع، لا نحتاج سوى بعض العصي والطبل وأصوات خاشعة...هلمّوا نوقظ نسّاك الليل ليتزودوا لصيام نهارهم".
صدح ذلك الليل بأصواتهم، كما في كل عام عندما يحضر... يقود قائد المحور، نفسه، طيف الملائكة في السحر ليوقظ النائمين على ذكر الله... وما زالت تتذكره ليالي السحر...
* الشهيد السعيد (جواد) سمير مطوط (22 سنة)، أول المؤسسين لكشافة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف. استشهد في عملية علي الطاهر 1987م.