الشيخ نعيم قاسم
*الدجَّال
ورد عن الدجَّال، أنَّه صاحب راية كفر وانحراف، أعور إحدى العينين، يملك قدرة الإغواء والتضليل، ويبدو أن إمكاناته حديثة. اختلفت الروايات في نسبه ومولده، فذكر بعضها أنَّه يهودي، وولد من جماعة يهودية أصلها من أصبهان في إيران. فعن أنس بن مالك، عن الرسول صلى الله عليه وآله: "يخرج الدجَّال من يهودية أصبهان، معه سبعون ألفاً من اليهود، عليهم التيجان"(1).
وللتدليل على أن رايته راية كفر وضلال، نسترشد بالرواية عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركب فيها نجا، ومن تخلَّف عنها غرق. ومن قاتلنا في آخر الزمان، فكأنما قاتل مع الدجال"(2). وفي رواية أخرى، أن الرسول صلى الله عليه وآله كان يدعو في الصلاة: "اللهم اني أعوذ بك من القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجَّال"(3).
ومع ذلك، لا يبدو أن أثره كبير بل محصور، ولذا ركَّزت الروايات على دور السفياني كراية ضلال بارزة أكثر بكثير من الدجال الذي يُعتبر رايةً فرعية. يتبع الدجَّال عددٌ كبير من النساء، ويطلق عليه في بعض الأحيان لقب "المسيح الدجال"، ولعلَّه يحاول الإيحاء أنَّه المسيح المنتظر، ليجذب المسيحيين إليه، في مقابل المسيح عيسى عليه السلام الذي يكون مع الإمام المهدي عجل الله فرجه كما أن مسرح عمل الدجَّال في إطار العلاقة مع اليهود. ففي الرواية عن الرسول صلى الله عليه وآله: "يخرج الدجَّال عدو الله ومعه جنود من اليهود وأصناف الناس... وهو المسيح الكذاب، ويتبعه من نساء اليهود ثلاثة عشر ألف امرأة"(4). لكنَّه يُقتل في زمن الإمام المهدي عجل الله فرجه، وقد ذُكر أنه يقتل على يد المسيح عليه السلام، كما روي أنَّه يقتل على يد الإمام المهدي عجل الله فرجه. ففي الحديث عن عبد الله بن عمر: "ينزل عيسى بن مريم، فإذا رآه الدجَّال، ذاب كما تذوب الشحمة، فيقتُل الدجال، ويفرّق عنه اليهود، فيقتلون، حتى أن الحجر يقول: يا عبد الله المسلم، هذا يهودي فتعال فاقتله"(5). وعن المفضل عن الإمام الصادق عليه السلام في رواية يتحدَّث فيها عن المعصومين الأربعة عشر عليه السلام يصل إلى المهدي عجل الله فرجه، فيقول: "... آخرهم القائم الذي يقوم بعد غيبته، فيقتل الدجَّال، ويطهِّر الأرض من كل جور وظلم"(6) لاحظ معي، فالقاعدة العامة السائدة بظهور الإمام المهدي عجل الله فرجه هي: انتشار العدل وسلطة الإيمان، وانهزام الكفر وانحسار الضلالة والفساد، وكل ما عدا ذلك روايات قد تخالف أو تطابق ما ورد إلينا من تفاصيل، وعندها لا فرق بين أن يقتل النبي عيسى عليه السلام الدجال، أو يقتله الإمام المهدي عجل الله فرجه.
*رايات الكفر والضلال
ولاحظ أيضاً، أنَّ رايات الكفر والضلال باتجاهاتها المختلفة قبل الظهور كثيرة جداً، وتختلف اهتماماتها وما تُبرزه من الضلال، ويختلف تأثيرها بين شعب وآخر، وإن كان عصر العولمة قد نشر الفساد إلى خارج دائرته الجغرافية المباشرة التي انطلق منها. ومع ذلك لا يخيفنا عدد رايات الضلال، ولا أنواعها، ولا اهتماماتها، ولا اتساعها، فهي جميعاً مهزومة بإذن الله تعالى مع ظهور الإمام الحجة عجل الله فرجه. فإذا قيَّمنا مستوى الفساد الذي وصلت إليه البشرية في القرن الواحد والعشرين، فإنَّنا نراه كبيراً جداً، بل يقف البعض متسائلاً: كيف يمكن أن ينهزم هذا الاستكبار بعلوِّه وجحوده وفساده وانتشاره، وهو يملك كل مقومات السيطرة على العالم، ويزداد عتواً يوماً بعد يوم؟! لكنَّ الإجابة سهلة عندما ترتبط بالوعد الإلهي في نصرة المؤمنين وإتمام نور الله ولو كره الكافرون، قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ *وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الإِسْلاَمِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ *يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون﴾ (الصف: 6-8).
إنَّ إيماننا الغيبي دعامة أساسية في ثباتنا على الدين، واطمئناننا إلى مستقبلنا في طاعة الله تعالى على الأرض. هذا الإيمان هو الذي يهوِّن في عيوننا من قدرة الكافرين، وهو الذي يدفعنا لنكون مسؤولين عن تكليفنا لنقوم به باستقامة، ولو لم نتلمَّس نتائج هذا التكليف وثماره العملية في حياتنا القصيرة، فإذا جاء الفرج جاء في بعض الأحيان سريعاً ومفاجئاً، من حيث نحتسب ومن حيث لا نحتسب، قال تعالى: ﴿... وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾ (الطلاق: 2-3).
(1) مسند أحمد، ج3، ص 224.
(2) محمد الكوفي، مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، ج2، ص147.
(3) صحيح البخاري، ج1، ص202.
(4) المتقي الهندي، كنز العمال، ج14، ص 599.
(5) المصدر نفسه، ج14، ص620.
(6) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص335.