مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الفكر الإسلامي وتحديات الواقع

مقابلة مع سماحة الشيخ حسين آل راضي‏*

حوار: موسى حسين صفوان‏


ما من شك في أن المشروع الفكري الإسلامي يواجه العديد من التحديات، منها ما هو داخلي، ويتلخص في المحاولات الجادة والحثيثة لإنتاج خطاب إسلامي متحرر من لوثة الإرهاب التي تحاول القوى المعادية إلصاقها به، مستفيدة من جملة من الوقائع المذهبية والنزاعات قصيرة النظر، ومنها ما هو خارجي، يتمثل في عدم قدرة علماء المسلمين على صياغة إجابات شافية على المسائل الفكرية المعقدة المطروحة في الساحة الثقافية العالمية. من هنا، حملنا بعضاً من تلك الأسئلة وعرضناها على سماحة العلاّمة الشيخ حسين الراضي الذي أتحفنا بخلاصة تجربته العلمية.

* نشهد اليوم المزيد من التحديات الفكرية ذات الجذور السياسية والاقتصادية التي تواجه الأمة الإسلامية، والسؤال: أين يقع الفكر الإسلامي من هذه التحديات؟
بالنسبة للفكر الإسلامي، ينبغي علينا أن نقسمه إلى قسمين: الفكر النظري، والفكر العملي التطبيقي. أما بالنسبة للقسم الأول، وهو الجانب النظري، فنحن نعلم بشكل قاطع، أن الفكر الإسلامي أثبت أنه في مقدمة جميع الأفكار الأخرى، بمعنى أنه واجه التحدي، لأنه يمثل الحلول الواقعية لمشاكل الحياة كافة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وبقية المشاكل الأخرى، والتي تخبطت فيها النظم الفكرية المعاصرة. وقد استطاع الفكر الإسلامي من الناحية النظرية أن يقف في مواجهة الأفكار الرأسمالية والاشتراكية وبالصور كافة التي ظهرت في الساحة. فالإسلام أثبت قدرته على مواكبة كل زمان ومكان، وصلاحيته للتحديات النظرية كافة. أما من الناحية العملية التطبيقية، ومقدار تفاعل المسلمين ومعرفتهم بالفكر الإسلامي، فمع الأسف الشديد، فإننا لا نرى أن المسلمين وصلوا إلى هذه المرحلة، فما زالوا متخلفين عن مقام الفكر الإسلامي، لذلك تخلفوا عن ركب الأمم المتقدمة...

* برزت منذ فترة آراء بعض المثقفين التي تدعو إلى العلمانية وفصل الدين عن السياسة، وما زالت مثل هذه الآراء تبرز بين الحين والآخر، كيف يواجه الفكر الإسلامي هذه الآراء؟
نحن نعتقد أنه لا يوجد هناك تمييز بين الإسلام والسياسة، فالسياسة في الفكر الإسلامي تمثل الاهتمام بمصالح وحقوق الناس أفراداً وجماعات، وعلى ضوء النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. وهذه هي السياسة الصحيحة التي يؤمن بها الإسلام. ومن هنا لا يمكن التفرقة بين الدين والسياسة. أما السياسة باللغة المتداولة، والتي تعني الكذب والمراوغة والاعتداء على المستضعفين، فيرفضها الإسلام ويواجهها ويحاربها أشد المحاربة.

* يُعقَد الكثير من المنتديات واللقاءات العلمائية، التي تدعو إلى الوحدة، وتنبذ التفرقة، ولكننا لا نجد أثر ذلك في الشارع الإسلامي كما ينبغي. برأيكم كيف يواجه علماء المسلمين ظاهرة التمزق في الشارع الإسلامي؟ مواجهة هذه التحديات، في نظري، ينبغي أن تكون على أكثر من محور:
فالمحور الأول: هو الجانب السياسي، حيث ينبغي الالتفات إلى أن التفرقة سوف تعود بالضرر السياسي على الجميع. فالإرهاب الذي يمارَس ضد طرف من الأطراف سوف يعود بالضرر على الجميع، لأن المستفيد من النزاع الداخلي بين المسلمين هو العدو الخارجي.
المحور الثاني: هو عقد الندوات والاجتماعات بكثافة بين مختلف طوائف المسلمين وعلمائهم. وكل فريق يجب عليه أن يقدر ظروف الفريق الآخر، ويحترم رأيه المذهبي والفكري.
المحور الثالث: وهو في نظري أهم المحاور، وهو يتمثل في البحث العلمي الجاد بين علماء المسلمين، بحيث يبحث كل فريق فيما لديه أولاً ليصحح ما يراه من خلل قبل أن ينتقد الآخرين، ثم تُطرح المسائل الخلافية على بساط البحث بطريقة علمية، مع مراعاة أدب الحوار الإسلامي، وفهم المباني الفكرية للطرف الآخر...
أتصور أن البحث العلمي الجاد هو الكفيل بحل مشاكل المسلمين، بل وغير المسلمين أيضاً.

* هل هناك محاولات جادة في هذا المجال من قبل الجهات المعنية في الجمهورية الإسلامية أو في المنتديات العلمية الأخرى؟
نعم، هناك محاولات كثيرة جادة في هذا الجانب، قديماً وحديثاً.

* لكن، تبقى هناك مسافة بين المنتديات النخبوية وبين القواعد الشعبية التي تقوم بأعمال منافية لما يجري في هذه اللقاءات!
أتصور أن تكثيف اللقاءات، وتوسيع الاهتمام الإعلامي بهذه المنتديات، وتوجيه الأنظار إلى مواقف العلماء والمفكرين، خاصة في مجال تطور وسائل الإعلام، كل ذلك سوف يؤثر بصورة إيجابية ربما خلال فترة من الزمن. أضفْ إلى ذلك، أن بعض الأفكار لا تؤمن بها غالبية القواعد، فالفكر التكفيري مثلاً يقتصر على بعض الفئات المحدودة، وهو على أي حال يحتاج إلى عرض هذه الفتاوى ودراستها، ونقدها نقداً علمياً مبنياً على نفس المباني والأسس التي قامت عليها تلك الفتاوى، وحينئذٍ فإنها سوف تترك أثراً إيجابياً ولو بعد حين.

* في الختام، هل من رسالة توجهونها للقراء؟
الرسالة التي أوجهها إلى عموم المسلمين، وبالأخص إلى الإخوة في داخل لبنان، هي المحافظة على الوحدة في مواجهة مؤامرات الأعداء، والمحافظة على ما تم إنجازه من انتصارات حققتها المقاومة الإسلامية في لبنان وفي فلسطين ضد العدو الصهيوني. وإنه لفخر لكل المسلمين أن تتمكن ثلّة مؤمنة وبالتوكل على اللَّه من دحر العدو الصهيوني ورفع رؤوس المسلمين والعرب وجميع الأحرار في العالم. وأنقل لكم هذه الحادثة القصيرة: إنني كنت في أثناء عودتي من المدينة المنورة إلى الإحساء وعند صلاة الظهر، أصلي في أحد المساجد، وذلك بعد أيام قليلة من الاندحار الصهيوني من جنوب لبنان. ولما قمنا للصلاة، اشترك معنا بدوي من الإخوة السنّة، وبعد أن انتهينا من الصلاة، كان أحد التكفيريين جالساً ينتظر، فناداه وقال له: لا يحل لك أن تصلي خلف هؤلاء الشيعة، ولكن ذلك البدوي بإحساسه وبفطرته أجاب ذلك الشخص بقوله: إن صلاتي صحيحة ولا يوجد فيها أي شي‏ء خطأ، وهؤلاء هم الذين طردوا إسرائيل من لبنان.
نحن نناشد المؤمنين في لبنان وفلسطين أن يحافظوا على هذا الانتصار لأنه يخص المسلمين جميعاً، بل وجميع الأحرار في العالم، وندعوهم إلى أن يتحرزوا من العجب ونشوة النصر، ويلتفتوا إلى النفس الأمارة بالسوء وأن يستمروا في مراقبتهم للَّه سبحانه وتعالى، وأن يعلموا أن المحافظة على المنجزات أهم وأكبر من تحقيقها.

******

*بطاقة تعريف‏

سماحة العلاّمة الشيخ حسين بن ملا علي بن ملا راضي بن محمد علي صالح العبد اللَّه، المعروف بالشيخ حسين راضي أدامه اللَّه. ولد في قرية الحوطة بمدينة العمران، محافظة الإحساء، في أواخر شهر ذي الحجة من عام 1370ه.
ختم القرآن الكريم في قريته، ودرس العلوم الأكاديمية فيها، إلا أنه في عمر الحادية عشرة ترك المدرسة النظامية ليلتحق بالنجف الأشرف.
عام 1387ه التحق بمدرسة السيد محسن الحكيم قدس سره وكان المشرف عليها حينها السيد محمد باقر الصدر قدس سره فتأثر به، ومن أبرز أساتذته:
السيد محمد صادق الصدر، السيد محمد باقر الحكيم، السيد عبد المجيد الحكيم، السيد عبد الصاحب الحكيم، الشيخ أحمد البهادلي، السيد محمود الهاشمي.
وتناول بحثه الخارج على السيد محمد باقر الصدر والسيد أبي القاسم الخوئي والسيد عبد الأعلى السبزواري وغيرهم.
طلب منه السيد محمد باقر الصدر تحقيق كتاب المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين فأنجزه ثم طُبع تحت إشراف سماحته رضي عنه الله.
وبعد استشهاد السيد محمد باقر الصدر رضي الله عنه، ذهب إلى مدينة قم ودرس على أساتذتها ومنهم السيد كاظم الحائري والسيد علي الفاني، والشيخ حسن زاده آملي والشيخ جوادي آملي، وغيرهم من كبار العلماء.
استمرت إقامته في مدينة قم عشر سنوات ثم عاد بعدها إلى موطنه الإحساء عام 1410ه. له العديد من النشاطات العلمية والاجتماعية.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع