الشيخ خضر نور الدين
إن في شخصية القائد الشهيد عماد مغنية، ما يكفي أي شاب أو رجل ليتعلم كيف يمضي إلى الله عزَّ وجلَّ... آمناً مطمئناً.. بعيداً عن الرياء والشدة، لا يخاف في الله لومة لائم.. ولا يعرف لنفسه مكاناً سوى البقاء في عوالم الله.. متواضعاً، محبوباً من قبل كل من يعرفه.. ليصبح بطلاً، رمزاً، ومنارةً لكل تائه...
نعم، يمكنني أن أقول إنه ومنذ سنيِّ شبابه الأولى، انطلق ليحمل هم الأمة، غير عابئ بأموره الشخصية. كان يبحث عن الحرية لنفسه وأهله وأمته.. فكبر مبكراً، وبات منذ صغره رفيق الكبار وخليل القيادات... صار كذلك، لأنه حرّر نفسه منذ البدايات من كل ما يمت إلى الدنيا بصلة.. فعلا وترقى ليكون نجماً ساطعاً يضيء للباحثين عن الكرامة... وليطفئ نار الشياطين الذين أرادوا للأمة الضياع... إن من أراد التعلم من عماد، عليه أن يعود إلى ينابيع الإسلام المحمدي الأصيل، التي فجّرها الإمام الخميني المقدس، بعيداً عن المفاهيم ذات العلاقة بمصالح الحكام والأنظمة ووعاظ السلاطين... إلى المفاهيم التي تعيد القيم الإنسانية التي يحبها الله في الإنسان: الحرية... الكرامة.. العزة... الاستقلال.. لتعود أيام بدر وأُحد والخندق وخيبر بقيام المجاهدين المخلصين، لاستعادة الحقوق، وللعيش بأمان، وطرد الطواغيت، وتحطيم الأصنام.
لهذا وبنظرة وجيزة ومختصرة هاكم عماد مغنية. في شخصيته طيبة ومحبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وعفوه عن الآخرين، وفيها بأس الحمزة وشهامته وعزيمته. وفيها شيء من صلابة الإمام علي علي السلام الذي انطلق فتى يدافع عن الحق، وقضى شهيداً بقوله "فزت ورب الكعبة". وفيها بعض من جمال الإمام الحسن عليه السلام وحكمته ومظلوميته. وفيها بعض من حضور الإمام الحسين عليه السلام للتضحية، وضخ الدم في جسد الأمة ليتفجر في وجه الطواغيت، لينتصر بدمه على السيف. وفيها شيء من عبادة الإمام زين العابدين عليه السلام وتهجده في الليالي بين يدي الله عزَّ وجلَّ. وفيها شيء من نباهة الإمام الباقر عليه السلام، وحلمه، وعلمه. وفيها شيء من فقاهة الإمام الصادق عليه السلام، والعمل على نشره للمفاهيم والأحكام. وفيها ملاحقة الظالمين للإمام الكاظم عليه السلام، وكظمه للغيظ. وفيها غربة الإمام الرضا عليه السلام، وإصراره على البقاء رافضاً للظلم. وفيها شيء من هدوء الإمام الجواد عليه السلام، وقضائه شاباً في سبيل الله. وفيها إبعاد الإمامين العسكريين الهادي والعسكري عليه السلام بعد الخوف منهما. وذاب في حب صاحب العصر عجل الله فرجه، حيث نذر نفسه لتمهيد الأرض لظهوره، فلم يبخل بشيء في سبيل الوصول إلى ذلك. وصل الليل بالنهار، ساهراً على المقاومة وشبابها وقياداتها، لتبقى راية الحق مرتفعة، حتى تبقى الأمانة لتسليمها إلى صاحبها. وعشق الإمام الخميني، فاتخذه معلماً ومؤدباً وولياً.
نعم، بكلمات مختصرة: لقد عاش القائد الشهيد عماد الإسلام بكل حوارحه، متعلماً ذلك من النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، فوصل إلى حيث يحب الله، بطلاً، رمزاً، عابداً، صالحاً، تقياً، ورعاً، محباً، غريباً، كريماً، شهماً... ومع كل ذلك متواضعاً بعيداً عن الشهرة، فكان عمله بمثابة صدقة السر... ليستشهد، ولتنهض كل الأمة غاضبة على اغتياله... وليستنهض الجميع في وجه الأميركي والإسرائيلي... ليخرج باستشهاده مارداً مرعباً لكل أعداء الأمة... ظنوا أنهم بقتله يرتاحون، وإذ بهم يرونه شبحاً أكبر مما كان عليه، ليحطم أصنامهم... معتمداً عليكم في حفظ الأمانة... فهلموا لحمل رايته تحت شعار الله أكبر.