مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الحاج رضوان رجل عاش شهيداً واستشهد ليحيا

نسرين إدريس

 



استشهد الحاج رضوان منذ تلك اللحظة التي لفحت الشمس فيها سحنته السمراء، وهو يحمل البندقية في السادسة عشرة من عمره، وجدلت اللفحة الفلسطينية قضيتها على كتفيه، وشدّت قيود القدس على رئتيه.. مُذ ذخّر أيامه، ليس بالرصاص فحسب، بل بكل لحظةٍ عاشها، فكان مقاومةً في رجل.. لقد رحل الحاج رضوان مُذ خلع من نفسِه نفسه، وقدمها بقلب مطمئن ونفسٍ هادئة على مذبح الشهادة. وليس إدراج اسمه على رأس قائمة المطلوبين للقوات الأميركية والإسرائيلية، إلا نقطة في بحره الذي كلما شربنا منه ازددنا عطشاً، وكلما كتبنا عنه نفدت كلماتنا، وبقي هو بسعته، وعظمته، وهيبته.

إنه رجلٌ ولا كل الرجال؛ مجاهد قائد، مخطط منفذ، مدبّر ومدير. مشى ومسيرة حزب الله، كَبُر معها وشبّت معه، يؤهل مقاوماً هنا، ويحمل شهيداً هناك، ويخفف عن جريح ويناضل لأجل أسير.. حمل خريطة الجهاد في تقاسيم كفّيه، رسمها بإتقانٍ، شهد له فيها العدو قبل الصديق، فهو "الرجل المرعب" الذي أجاد الاختفاء طوال سنوات من دون الحاجة إلى الاختباء، ليس لأنه أجاد لعبة التخفّي فحسب، وليس لأنه حمل فكراً أمنياً من أجود العقول، بل لأنه أيضاً ذاب في الإسلام كما أستاذه الأول الإمام الخميني العظيم قدس سره. فلقد استبدل باسمه اسماً آخر استقاهُ من دياره التي سعى إليها "رضوان".

ومن أراد تلك الديار، فعليه أن يترك الدنيا وما فيها. واتخذ من المقاومة ملامحه. لم يعنِ له شي‏ء من هذه الدنيا إلا الله، لأنه وعلى أهمية وثقل العناوين التي حملها اسمه وتفرّد بها، ظلّ إنساناً بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى؛ فلا الابتسامة تغادره، ولا الهيبةُ التي لها وقعٌ خاص في النفوس أبعدته عن أحبته، فتراه يجلس بين المجاهدين يتقاسم معهم الخبز والتعب، يسأل عن أحوالهم، ويخفف عنهم. وفي أغلب الأحيان لم يعرف المجاهدون أن هذا الرجل الذي يتشارك معهم هزيع الليل وبرده، هو نفسه الذي يُحسب له عندهم، كما عند العدو، ألف ألف حساب. ولكم تمنّى الكثيرون من الذين سمعوا عن نضالاته المتعددة أن يروا وجهه، ولو لمرة واحدة. فذلك الفارس الذي ما أزاح اللثام عن وجهه، ولا ترجل مرة عن جواده، حمل تقاسيم عدة، كما أسماؤه التي جاب بها مطارات العالم، فإذا ما حان وقت اللقاء، كل واحد حدّث نفسه بأنه رآه في مكان ما، ربما لأن ملامحه الحقيقية تشبه كثيراً حدود الوطن، وتشبه تقاسيمنا، لأن الله وهبنا أن نتربى على يديه المباركتين، فنحت فينا ما لن نستطيع أن ندركه، إلا إذا عرفنا الحاج رضوان حقيقة المعرفة، وهو الذي لم يعرفه إلا الله والراسخون في العلم.

وليس في محضر الحاج رضوان من كلامٍ أو حديث، فللصمت معه بلاغة يعجز عن بيانها البيان، فكيف به وقد انتقل إلى الديار التي قضى عمره يشيدها في جنّات تجري من تحتها الأنهار!؟ فمن كان مثله لا ديار له إلا في حضرة الله العزيز. لقد أجاد بسهره أن يوقظ العالم، من الكوفية إلى عباءة السيد موسى الصدر. فهو الجنوبي الذي أنجبته مرارة التبغ، وعرف من ميابرها أن العين التي بكت الإمام الحسين عليه السلام تهزمُ ألف مخرز. وقد اكتشف قادته في ذلك الشاب العشريني مشروع تاريخ لا يجود الزمان بأمثاله إلا نادراً، فكان عند حسن ظنهم. فالحاج رضوان الرجل المتعدد الذكاءات، صار على مرّ تاريخه المقاوم مقياساً للعمل العسكري والأمني، وليس فقط مثلاً يُحتذى. مخطئٌ من يظنّ أن الانتصارات الجليلة التي حصدها في الحروب التي خاضها، هي وحدها التي وهبته هذه الميزة في تاريخ المقاومة الإسلامية، بل وأيضاً تهجده في الليالي، وانقطاعه إلى الله. لقد عشق الحاج رضوان الله، ولمس كل من عرفه عشق الله له، فكيفَ لا ينالُ العاشق الدية التي يهبها الله لخاصة أحبائه بعد استشهادهم في سبيله، وهي ذاته عزَّ وجلَّ!؟ وأخيراً، آن للحاج رضوان أن ينيخ رحله بعد سنوات لم تستطع الراحة أن تتسلل إليه فيها. وغفا قرير العين مطمئن البال، وقد ربّى شباباً زرع في قلب كل واحد منهم، حب الله ذخيرة للوصول، وحتماً بذلك سيجيدون، كما علمهم هو، الانتصار.

حاج رضوان؛ يا حبّة القلب ومكمن الروح... لكم وددنا لو افتديناك بالأنفس، ولكن هيهات؛ من كان مثلك لا يُفتدى! ومن كان مثلك يُستشهد ليحيا.. بأمان الله يا قائدنا.. وسيدنا.. وحبيب قلوبنا، وعبرتنا التي لن تجف إلا وقد رأيناك آتياً مع من واسيته بغربته صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع