الشيخ نعيم قاسم
يستعجل الإنسان في كل شيء، أكان الأمر خيراً أم شراً، ولا يصبر بسهولة. لذا، نسمع أكثر الناس يتذمرون من تأخير الأمور التي يتوقعونها، ويتمنون النتائج لأعمالهم بسرعة فائقة. وقد ذكر جلَّ وعلا هذه السمة في الإنسان فقال: ﴿خُلِقَ الإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ" (الأنبياء: 37).
* الوقت المعلوم عند الله تعالى:
لكن إرادة الله تعالى في تقدير الأشياء حاكمة، وتشكل القانون الإلهي على الأرض. فالحياة بقَدَر معلوم، والرزق بقدرٍ معلوم، والنعم بقدرٍ معلوم، والابتلاءات بقدرٍ معلوم، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ (الحجر: 21). ومن رحمة الله بالبشر، أن لا يعجِّل لهم الأمور، علَّهم يستدركون ويتوبون إليه، قال تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلاً﴾ (الكهف: 58).
هكذا تكون خواتيم ونهايات الأمور، فأجَلُ الإنسان له وقت معلوم عند الله تعالى لا يعلمه صاحبه، ويوم القيامة له وقت معلوم لا يعلمه إلاَّ الله تعالى، وهو اليوم الذي يجتمع فيه الجميع من الأولين والآخرين، قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ الأوَّلِينَ وَالآَخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾ (الواقعة: 49-50). وهلاك القرى في الدنيا لظلم أهلها أو لأي سبب آخر، وسواء أحصل ذلك بعقاب إلهي جماعي أو بعوامل طبيعية له كتابٌ معلوم. أي أن الله تعالى في علمه المعبَّر عنه بالكتاب الذي يحصي كل شيء، حدَّد وقتاً معلوماً لهذا الهلاك، قال تعالى: ﴿وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَ وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ﴾ (الحجر: 4). حتى إبليس الذي رفض السجود لآدم وقرَّر الله تعالى معاقبته، أمهله إلى الوقت المعلوم، أي إلى يوم القيامة، قال تعالى عن إبليس: ﴿قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ﴾ (الحجر: 36-38).
تبيَّن لنا أن القاعدة العامة عدم توفر المعطيات المستقبلية للإنسان فيما نسميه الغيب بالنسبة إليه، فالإنسان لا يعلم يوم موته، ولا يوم بعثه، ولا مقدار رزقه، ولا ما سيصيبه من نِعَمٍ أو مصائب... وعليه أن يتربى على الرضا بهذه الحقائق، فهي خارجة عن قدرته وسلطته، وإلاَّ عاش القلق والتوتر والأزمات المتتالية في محاولاته اليائسة للتعرف على المجهول الممنوع عليه معرفته. وهذا ما حسمه الله تعالى عندما حدثنا عن الروح، بأن لا تضيعوا وقتكم وجهدكم في البحث عنها، فلن تعرفوا حقيقتها، ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَ قَلِيلاً﴾ (الإسراء: 85).
وهذا ما ينطبق أيضاً على مسألة ظهور الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف، فإنَّ البعض يستعجلون، ويتعلقون بالروايات غير الصحيحة لتحديد الوقت المحتمل للظهور! ويلاحقون الأخبار التي تتحدث عن رؤى أو تحليلات معمَّقة عن وقت الظهور! لكنَّه انشغال في غير محله، وملاحقة لموضوع أراد الله تعالى إخفاءه إلى وقته لهدفٍ من هذا الإخفاء.
* التوقيت في الروايات
وقد أكَّدت الروايات على عدم صحة التوقيت، نكتفي منها بأربع روايات، عن ثلاثة من الأئمة عليهم السلام لتوضيح الصورة القطعية التي وردت فيها:
1 - عن الفضيل، أنه سأل الإمام الكاظم عليه السلام، هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: "كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون، كذب الوقَّاتون"(1).
2 - وعن مهزم الأسدي، أنه دخل على الإمام الصادق عليه السلام وقال: أخبرني جُعلت فداك، متى هذا الأمر الذي تنتظرونه فقد طال؟ فقال: "يا مهزم، كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون، وإلينا يصيرون"(2).
3- وعن الفضل بن شاذان، عمن روى عن الإمام الصادق(ع) أنَّه قال: "كذب الموقتون، ما وقَّتنا فيما مضى، ولا نوقِّت فيما يُستقبل"(3).
4- وعن اسحاق بن يعقوب، قال: سألت محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عدة مسائل أشكلت عليَّ، فورد التوقيع بخط مولانا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "وأمَّا ظهور الفرج فإنَّه إلى الله عزَّ وجل، كذب الوقَّاتون"(4).
لعلَّ الهدف الأساس من إخفاء الوقت هو ربط المؤمنين بالإيمان بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كمخلِّصٍ للبشرية، يظهر في آخر الزمان، سواءٌ ظهر في حياتهم أو في حياة من يأتي من بعدهم. فالحكمة ترتبط بأصل الإيمان بإمام الزمان المنتظر، الذي يعطينا الأمل والثقة بالمستقبل، ويطمْئِن نفوسنا لمسيرة الإيمان الإلهية. وهذا هو الاختبار الحقيقي للمؤمنين، في إيمانهم بالغيب كإيمانهم بعالم الشهادة. ومن كان كذلك، تحقَّق له الإيمان الصادق.
أمَّا إظهار التوقيت الدقيق، فسيُحدث تأثيراً ودافعاً ظرفياً انتظاراً لما هو معلوم، وعندها تختلط الأمور بين المؤمن الصادق والمؤمن الظرفي الذي بهرته أو أخافته فكرة الظهور. وما يريده الله تعالى منّا أن نؤمن بصدق، من دون ضغوطات وأوهام، وهذا ما هو معروض علينا، عندها ﴿فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُر﴾ (الكهف: 29)، ليكون النجاح للمؤمنين عن جدارة، وكشف الزيف من دون التباس لإبراز حقيقة الآخرين.
(1) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص 426.
(2) المصدر نفسه، ص426.
(3) المصدر نفسه، ص426.
(4) المصدر نفسه، ص290.