إيفا علوية ناصر الدين
لفت نظر المريض وهو ممدد على سرير الفحص في العيادة اهتمام الطبيب الزائد، خلال الكشف الطبي عليه بعدما أخبره بوجود ألم مبرح في أعماقه أرداه فريسة للضعف والوهن والانحطاط. كان الطبيب يقلّبه يميناً وشمالاً مدققاً في مكان الألم، وكأنه يبحث عن إشارة ما تسهِّل له عملية تشخيص الحالة المرضية. وبلغت علامات اهتمامه ذروتها، عندما بدأ مجدداً يعيد الاستفسار عن شدة الألم ودرجاته وتقلباته، وغيرها من التفاصيل التي تفيد في عملية التشخيص.
وبالرغم من محاولته الحثيثة للتطمين، فقد بدت على وجهه وهو يطلب إجراء صورة شعاعية على وجه السرعة ملامح الحيرة والقلق، وكأنه قد وضع يده على مرض خطير. مرت لحظات عصيبة على المريض الذي وجد نفسه غارقاً في بحر من المخاوف والافتراضات، متخبطاً في دوامة مهلكة من الأوهام والتخيلات، التي تصاعدت وتيرتها تدريجياً خلال الساعات التي فصلته عن موعد النتيجة، إلى أن ألقت بثقلها عليه متهالكاً وهو جالس في قاعة الانتظار، متمسكاً بكلتا يديه بالمغلف الأسمر الذي يحمل في طياته كلمة السر: الموت أو الحياة!
لم يستطع رغم شحنة القوة التي شدَّ بها أعصابه أن يمنع دموعاً حارة تسللت بانحدار بطيء إلى مقلتيه، وهو يعاين مشاهد تتأرجح في خاطره حول الأولويات التي سيعمل بها، بعدما ألهب الشعور بضيق الوقت في قلبه مشاعر الحسرة والأسف على عمر من الغفلة، وتركه متعلقاً بشهور أو ربما أيام معدودة عليه أن يحسب فيها ثمن الدقائق والثواني. استجمع شتاته ليدخل إلى غرفة الطبيب وقد اكفهرت ملامحه، مهيئاً نفسه لسماع الخبر اليقين الذي ما لبث أن دفعه للخروج بابتسامة باكية شاكراً ربه على نعمة الشعور كمن ولدته أمه.