أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أوَّل الكلام‏: ثقافة الحياة.. أحلام الطواويس ورجال الله‏

الشيخ يوسف سرور

 



ثمة مسار للأحداث يشاء البعض أن يرسمه، محاولاً توجيه عالمنا ومنطقتنا نحوه.. مسار تتغيّر فيه الأشياء وصفاتها، حتى لكأنها تصبح غيرها.. تتغير فيه المعاني وتنقلب إلى ضدّها. تتحول فيه المقاييس منسابة في انحدار غير مفهوم، وتنزاح فيه المعايير في سيرورة غير مبررة.. يرتاح المحوِّلون إلى هذا المسار من أجل التأسيس لمنطق مختلف عن ذاك الذي تسالم عليه وجدان الأمة، ودرجت على التربي عليه أجيالها. لا يدري المتحوّلون أو يدرون أن صباحات أيامهم التي يتوهمون الإقبال عليها، هي إرهاصات الليالي المظلمة التي يجهدون للانفلات من حلكتها، والتسلل من عتمتها.

كم نعمت قلوبهم بمشاعر الفخر والزهو، وهم يقلّبون هذه الأفكار البليدة التي سكنت رؤوسهم!؟ وكم ناموا على آمال الإطاحة بأحلام الثوريين... آمال ترصد كل حركة توثّب نحو الإصلاح، وترقب أي اتجاه نحو التغيير... جالت في أذهان المتسلطين نداءات الكبرياء، ورتعت في قلوبهم أحاسيس الانتشاء بالعلو.. حتى كأن أعلى قمم الأرض دون أقدامهم.. والثقافات الراقية والقيم السامية، تداس تحت نعال النزوات، وتذوي في زنازين سجون الجلادين. يأتي الطواويس إلى بلادنا من خلف البحار، يحلمون بفضاءات لا تحلّق فيها طيور الحرية... يأمرون العقبان باقتفاء آثار زقزقات العصافير البريئة، من أجل اصطيادها وتقديمها، لقمة هنيئة على موائد فجورهم.

تأتي الطواويس مختالة.. تظن أنفسها صقور السماء، وتموء معلنة أنها ملوك غابنا، تنزف رؤوسهم مقولات تلوكها ألسنتهم، بظنهم أنفسهم أنبياء الزمان... وأن الآلهة توحي إليهم ببدائع الآيات.. يحرثون قلوب أسراهم بمحاريثهم، ويتوثبون لإلقاء بذورهم فيها، قاصدين احتواء حاضرنا والمستقبل، مأربهم في ذلك دغدغة آمال الواهمين، والتغرير بالحكام اللاهثين. تذهب أحلامهم... بل كوابيسهم إلى أن أربابهم سخّروا ملائكة الأرض والسماء لهم، وأنهم أتونا بدين ينسخ آيات السماء.. كرمى لزرقة عيونهم، وسواد عيون الدمى التي يحركونها فوق أرضنا، الساكنة أبدانهم في قبورهم عفواً قصورهم المبنية بثرواتنا المنهوبة ، على جماجم المظلومين، والمطلية جدرانها بدمائنا المسكوبة. بل ظن هؤلاء أنفسهم آلهة الكون، يأمرون الناس بالتسبيح بحمدهم، والتمجيد والثناء عليهم.. ويتوعدون من يكفر بهم بالويل والثبور، وعظائم الأمور، ويبشروننا أنه لا مكان للمعترضين على دساتيرهم.

عجّل هؤلاء باستدعاء آجالهم، وسكنت نفوسهم إلى غرورهم الممجوج.. وقريباً ما تنقلب آمالهم خيبات تستقرّ في قلوبهم، وتستحيل دعاواهم حسرات تعترض في آفاق قلوبهم.. مغلقة عليهم ثقوب الأمل التي يحسبونها بوابات الخلاص..! طاشت سهام الطواويس المتعالية.. إنْ زعيقهم المتمادي إلا تثاؤب المشرفين على سبات أزلي، لا تقوم لأصحابه قائمة، بعد أن يُعمل الأعزاء مقاريض الرجاء بالمخالب المسمومة، معطّلين كل مفاعيل الخدع والأحابيل، مبطلين كل مقولات الشياطين وتزيينات الأبالسة. يريدون أن يجعلوا من بطولات الأولين أشعاراً، تعلق مدوّناتها فوق جدران المقدسات، تتلى كمراسيم جوفاء...

يريدون أن يحوّلوا تاريخنا إلى مومياءات محنّطة، تحفظ في قاعات مغلقة، يمنع على الأجيال مقاربتها والتزود منها، وتصبح حكراً على "البعثات العلمية" الأجنبية. يحلمون بتحويل الأنبياء والأئمة والصحابة والشهداء الأوائل، إلى أبطال غَبَرَ عليهم الزمان، وأن يجعلوا من الثقلين ملحمتين تكتبان بماء الذهب، على وريقات فاخرة، لتصبح بعدئذٍ رهينة أفهام البائسين، الباحثين عن الأبيض والأصفر، لا يقرب دلالتها سوى وعاظ السلاطين. لا أيتها الطواويس المخدوعة بزهوها، أيتها الذئاب المرهونة إلى كبريائها؛ يوم كان لأحلامكم في عالم الإمكان مكان، انتفضت الروح الكربلائية لتصدّع الجدران التي حاولتم بها سدّ آفاقنا، فسفهوا أحلامكم، وأيقظوا بعض صحوتكم من سباتكم، يوم قام راغب وجواد وأبو حسن وكل الأمراء، يوم تقدم العباس وكل الأكابر..

أما اليوم.. يوم لا مكان لآمال هؤلاء المغرورين في آفاق حاضرنا، ولا في مستشرفات المستقبل؛ فإنّ أيدي رجال الله التي أيقظت النائمين من الضعفاء، وبعثت الأمل في قلوب اليائسين هذه الأيدي سوف تخلع لباس هذا الطاووس المزهو ريشةً ريشة، ليبدو لكل الناظرين صوصاً أجرد، يبحث عن رداء يستر عوراته، ويقيه بعض لسعات البرد في أيامها القارصة..
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع