الشيخ عطا الله حمود(*): الأسرى لم ينصفوا كأبطال دافعوا عن سيادة الوطن
مجلَّة بقيَّة الله
دأبت الجمعية اللبنانية للأسرى المحررين منذ انطلاقتها إبان الاجتياح الصهيوني للبنان على أن تكون إلى جانب المقاومة في حمل قضية آلاف الأسرى والمعتقلين الذين كانوا السباقين في عملية تحرير الأرض والوطن وذاقوا مرارة التعذيب في سجون الاحتلال الصهيوني في لبنان وداخل فلسطين المحتلة. وكانت الجمعية اللبنانية على مدار السنوات الآنفة الرفيق والسند لهؤلاء الأسرى الذين قضوا سني عمرهم وربيع حياتهم خلف القضبان وقامت برعاية عوائلهم وأبنائهم بفضل قيادة المقاومة الحكيمة التي جعلت من قضية الأسرى المعتقلين قضية مركزية. واستطاعت بأدائها المتقن أن تلقن هذا العدو دروساً في الجهاد والبطولة والإنسانية حول كيفية تعاطيها مع الأسرى والجرحى وجثامين الشهداء وذلك عبر الدور المتقن لعدد من عمليات التبادل التي أتمها سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الأعوام الماضية عبر وساطات دولية تحت شعار "نحن قوم لا نترك أسرانا في السجون". حول ملف الأسرى والمحررين وأوضاعهم كان لنا هذا اللقاء مع رئيس الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين عطا الله حمود.
* باختصار كيف تعرف الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين؟....
الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين جمعية إنسانية لبنانية تعنى بشؤون الأسرى والمعتقلين من حين اعتقالهم إلى حين الإفراج عنهم، ومن ثم تليها مرحلة التأهيل الصحي والاجتماعي بعد تحريرهم لأنهم يكونون بحاجة للرعاية والاحتضان نتيجة للتعذيب النفسي والجسدي الذي يتعرضون له خلال الأسر. ومن مهام الجمعية أيضاً طرح قضية المعتقلين المحقة والعادلة على المحافل الإنسانية والدولية من خلال نقل معاناتهم عبر الزيارات واللقاءات والمؤتمرات الدولية التي تسهم في فضح الممارسات الإسرائيلية لدى الرأي العام الدولي وتساعدهم في إبراز حقهم المشروع بالدفاع عن أرضهم ووطنهم، سيما وأن هذا العدو لا يخرج عن كونه جيش احتلال يقوم على الإرهاب والعنصرية والتوسع. وقد أثبتت سنوات الاحتلال الماضية أن العدو الإسرائيلي وعملاءه قد أمعنوا في العقود الماضية في اعتقال أكثر من عشرة آلاف أسير وأسيرة تعرض المئات منهم للضرب وللتعذيب وللإعاقة وحتى أن عدداً من المقاومين عُذبوا حتى الموت دون رأفة أو رحمة.
والأسوأ من هذا كله أن أسرانا المحررين الذين عانوا الأمرين داخل زنازين العدو عذبوا مرتين على السواء مرة على أيدي جيش الاحتلال الذي لا يرحم ومرة أخرى على أيدي الدولة التي لم تنصفهم ولم تعترف بحقهم كأبطال دافعوا عن سيادة الوطن وحريته واستقلاله.
* ماذا تعني بتعذيب الأسرى في المرة الثانية "أي عبر الدولة اللبنانية" وكيف تم ذلك؟...
لقد تم ذلك من خلال إهمال الدولة والحكومات المتعاقبة لهم. هذه الحكومات التي تأخرت عن احتضان هؤلاء المجاهدين وتكريمهم كمناضلين على غرار ما فعلت فرنسا وألمانيا وأمريكا أيضاً لأسراها الذين عادوا كأبطال فاتحين تكللوا بالدروع والنياشين والأوسمة لأنهم رفعوا رؤوس بلادهم عالياً وناضلوا في سبيل تحرير أوطانهم، في حين لم يطلب هؤلاء الأسرى سوى التعاطي معهم على كونهم أفراداً في الوحدات العسكرية اللبنانية ودفع رواتب لهم لأنهم ضحوا بربيع سنوات عمرهم وحريتهم في سبيل استقلال الوطن واسترجاع كرامته. ففي العام 2001م وقعت حكومة الشهيد الحريري قانون المراسيم التطبيقية الرقم 364 والقاضي بدفع تعويضات مالية للأسرى اللبنانيين المعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وعملائه، إلا أن الملف لم يستكمل على الرغم من مضي أكثر من خمس سنوات على إصداره. كما أن وزارة المالية الحالية وقبلها كل الوزارات المتعاقبة مارست بحق المحررين سياسة التسويف والابتزاز والإذلال بشأن دفع مستحقاتهم ونيل حقوقهم.
* ولماذا تماطل الحكومة برأيك في دفع مستحقاتهم حتى هذه الساعة وطيلة هذه السنوات؟....
طبعاً لأنها تُدخل قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني في البازار السياسي والابتزاز السياسي وتعتبر أيضاً أن هذه القضية ليست من أولويات الحكومة.
* هل جاءت عملية الوعد الصادق التي تم فيها أسر جنديين إسرائيليين بعد استنفاد الوسائل الديبلوماسية؟
بعد الانسحاب الصهيوني من الجنوب في العام 2000م لم تألُ الجمعية جهداً في متابعة قضية الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال عميد الأسرى سمير القنطار ونسيم نسر ويحيى سكاف والمفقود محمد فران على المستويين السياسي والإنساني من خلال اللقاءات والزيارات التي كانت تعدها مع عوائل الأسرى المعتقلين للأمم المتحدة وللعديد من الهيئات والمنظمات الإنسانية والدولية وعبر اللقاءات التي كان يتم تنسيقها مع الدبلوماسيين والسفراء والمسؤولين الأوروبيين والعرب لمناشدتهم إطلاق ما تبقى من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وأن أكثر هذه اللقاءات كانت تتم من خلال هذه الحكومة نفسها.
إن عملية الوعد الصادق التي نفذها مجاهدو المقاومة الإسلامية جاءت بعد استنفاد كل الوسائل الدبلوماسية والمناشدات الإنسانية، هذا فضلاً عن تصريحات وخطب وكلمات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله التي كانت تؤكد على اعتماد خيار المقاومة في سبيل تحرير ما تبقى من الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني وخصوصاً بعد استنفاد كل الأساليب الدبلوماسية والسياسية أيضاً.
* ألم يكن بإمكان الدبلوماسية أن تطلق ما تبقى من الأسرى ؟
تجارب العدو الصهيوني السابقة في لبنان وكل تجارب الصراع العربي الإسرائيلي معه عودتنا على أن هذا العدو لا يطلق أسيراً واحداً منة أو شفقة أو بتدخل طرف أو فئة أو جهة دولية أو إنسانية حتى لو مات هذا الأسير داخل زنزانته لأنه بالأصل لم يعترف مرة بهذه الهيئات. وإن كل الأسرى الذين حُرروا قبل وبعد التحرير وقبل وبعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان تحريرهم يتم عبر صفقات أو عمليات تبادل ومفاوضات غالباً ما كان يسعى العدو لتجييرها في سبيل غايات وأهداف سياسية تهدف مصالحه الذاتية، بدليل أن العدو الإسرائيلي لا زال يعتقل في فلسطين المحتلة أكثر من عشرة آلاف أسير فلسطيني ولم يطلق منهم أسيراً واحداً رغم كل التدخلات والوساطات التي أبرمتها السلطة الفلسطينية. ويذكر في هذا الخصوص أن العدو الإسرائيلي نفذ منذ أشهر أكبر عملية قرصنة عندما اقتحم جنوده بالتنسيق مع المراقبين الدوليين سجن السلطة واعتقل أحمد سعدات وكبار معاونيه وعدد كبير من قيادات المنظمة في الوقت الذي لم يحرك فيه المجتمع الدولي ساكناً..
* هل سيعود عميد الأسرى سمير القنطار ورفاقه؟
طبعاً هذا ما أكده الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله قبل عملية الوعد الصادق وبعدها. وقد قدمت المقاومة في هذا المحفل عدداً من الشهداء على مذبح الحرية لأنها تعتبر أن قضية الأسرى والمعتقلين هي من القضايا المركزية لدى حزب الله والمقاومة الإسلامية.
* ما هو الدور الذي أنيط بالأسرى المحررين خلال العدوان الأخير على لبنان؟
إن الدور الذي أنيط بالأسرى المحررين هو دور الدفاع والذود عن الوطن والالتحاق في صفوف المقاومة. ففي قلب هذه المعركة سقط من الأسرى المحررين أربعة شهداء والعديد من الجرحى كان منهم الأسير الشهيد أحمد عبد الله من بلدة كفرشوبا والذي سقط معه ولده الشهيد محمد أيضاً والأسير الشهيد أحمد سرور من بلدة الصمود عيتا الشعب والأسير الشهيد راني بزي من مدينة بنت جبيل والأسير الشهيد إبراهيم الشيخ علي من الخيام.
* إلى ما كان يهدف العدو من تدمير معتقل الخيام؟
فيما يتعلق بتدمير العدو لمعتقل الخيام فهذا الأمر ليس جديداً عليه لأن العدو حاول بتدميره لمعتقل الخيام إخفاء جرائمه البشعة التي اقترفها خلال اجتياحه للبنان واعتقاله لأكثر من عشرة آلاف أسير لبناني تعرضوا للضرب وللتعذيب. ولم يرق لهذا العدو تحويل المعتقل بعد التحرير إلى متحف لعشرات آلاف الزوار يقصدونه من كل العالم ويجري خلال الزيارات شرح مفصل لجرائم العدو وممارساته الإرهابية فكان أن أضاف جريمة فوق جرائمه البشعة ظناً منه أنه يحاول طمس معالم إجرامه أمام الرأي العام الإنساني والدولي.
ما هي أوضاع الأسرى المحررين اليوم؟
لا شك أن أوضاعهم صعبة لأن معظم التقارير الواردة من عدد من المنظمات الإنسانية تشير إلى مدى خطورة الانتهاكات الإنسانية التي خلفتها ممارسات هذا العدو الإرهابية ونتيجة للتعذيب الجسدي والنفسي الذي تعرض له الأسرى.
* لماذا لا يصار إلى إنشاء مراكز تأهيل للأسرى؟
طبعاً نحن نطمح لأن يصار إلى إنشاء مراكز تأهيل للأسرى المحررين وأن يكافأ هؤلاء الأبطال الذين صرفوا شطراً من حياتهم فداءاً للوطن وأن يصار أيضاً إلى إعدادهم على المستويات الاجتماعية والنفسية والتربوية كافة... إلا أن هذا الأمر لم نشهده من قِبَلِ وزارة الشؤون الاجتماعية الحالية وحتى من قبل كل الوزارات التي تعاقبت.
* إذاً أين دور المؤسسات الإنسانية والدولية في هذا الشأن؟
للأسف لا وجود لكل هذه الهيئات والمنظمات الإنسانية لأن صمتها أكبر دليل على أنها أسيرة مواقف سياسية غالباً ما تفرضها عليها الولايات المتحدة الأميركية.
* ماذا تقول للأسرى الحاليين في سجون الاحتلال الإسرائيلي؟
ختاماً أحيّي أسرى الوعد الصادق الأسير المجاهد حسين سليمان والأسير المجاهد خضر زيدان والأسير المجاهد محمد عبد الحميد سرور والأسير المجاهد ماهر كوراني وكذلك أحيّي الأسرى القدامى المجاهدين عميد الأسرى سمير القنطار ونسيم نسر ويحيى سكاف ومحمد فران وكل المجاهدين والشرفاء وكل الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب الذين علمونا كل صنوف التضحية والإباء وجعلوا من معتقلاتهم وزنازينهم مدارس ومعاقل للأحرار في العالم. ونختم بما قاله سيد المقاومة وقائدها أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله: نحن قوم لا ننسى أسرانا في السجون... وإن الأمة التي تنسى أسراها في السجون هي أمة بلا شرف وبلا كرامة.
(*)رئيس الجمعية اللبنانية للأسرى والمحررين
إن مجلة بقية الله وبالتنسيق مع الجمعية اللبنانية ستقوم بتخصيص زاوية شهرية تتعلق بالأسرى المعتقلين والأسرى المحررين وذلك في إطار نقل تجربة هؤلاء المجاهدين إلى الجمهور اللبناني والعربي.