الشيخ نعيم قاسم
تتميز الغيبة الكبرى للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه بوجود تواصلٍ فيها بين الإمام والناس بأساليب مختلفة، منها: حين يقرر اللقاء بأحدهم لمصلحة في ذلك، وعندما يوجد عند إجماع المسلمين على أمرٍ ما بإعطاء بركاته لهذا الإجماع، وعند حضوره في مواسم الحج... فهو كالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السحاب، بحيث يبقى الانتفاع بها قائماً.
وهذا ما ورد عن محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه عندما وجَّه أسئلة أشكلت عليه إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، فجاءته الإجابة مكتوبة بخط الحجة عجل الله تعالى فرجه ومنها "... وأمَّا علَّة ما وقع من الغيبة، فإن الله عزَّ وجل يقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾، وإنَّه لم يكن أحدٌ من آبائي عليهم السلام إلاَّ وقد وقعت في عنقه بيعةٌ لطاغية زمانه، وإني أخرجُ حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي. وأمَّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمانٌ لأهل الأرض كما أنَّ النجوم أمانٌ لأهل السماء، فأغلقوا باب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا علم ما قد كُفيتُم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجكم"(1).
فالتأكيد هو على أهمية التعامل مع حضوره في زمن الغيبة كحقيقة واقعة، ولا فائدة من إضاعة الوقت بالغرق في التفاصيل التي لا تنفعنا شيئاً. وبما أن حضوره هو النافع، وفرجه بظهوره هو المطلب في نهاية المطاف، فلنكثر من الدعاء بتعجيل الفرج، ولنعمل لنكون من جنده تسهيلاً لتوفير العدد المناسب للظهور، ولنستفد من بركات غيبته المعنوية والنفسية بملاحظة ما يوفقنا الله تعالى إليه في شؤون الأمة، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصيرها.
* تُرى ما أهمية حضور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في مواسم الحج؟
1- يراهم ولا يرونه: وردت عدة روايات تتحدث عن حضور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مواسم الحج، حيث يرى الناس ولا يرونه، ويعرفهم ولا يعرفونه، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى الناس ولا يرونه"(2). وروى زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام: "يفقد الناس إمامهم، يشهد المواسم، فيراهم ولا يرونه"(3). وأكد أحد سفراء الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه محمد بن عثمان العمري رضوان الله عليه ذلك بقوله: "والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة، يرى الناس ، ويعرفهم ، ويرونه، ولا يعرفونه"(4). نستنتج أنَّ بركات الحضور تنفع الناس بطرق مختلفة، وإلاَّ لما كان لذكر الحضور في الموسم فائدة. وإن كنا لا ندرك مدى الفوائد التي تتحقق لجهلنا بحقائق الأمور، لكننا مطمئنون إلى أنها حقيقية وواقعية بسبب البركات التي تحيط بإمامنا الغائب، وحرصه على تسديد ودعم المؤمنين.
2- أهمية الحج: لا تخفى أهمية الحج كعبادة مفروضة على المسلمين، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَاب﴾ (البقرة: 197). ففي الحج خير الزاد وهو التقوى من خلال المناسك التي تستحضر صور التضحية والسعي والطواف والصلاة، وهي تؤدي إلى مزيد من الارتباط بالله تعالى والإخلاص له. وهنا يعتبر حضور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه جزءً من هذا التفاعل مع الإخلاص لله تعالى، لتكتمل الصورة في اجتماع المسلمين من كل حدبٍ وصوب مع قيادتهم المستقبلية التي تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما مُلئت ظلماً وجوراً.
3-المواكبة: إنَّ حضور الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في موسم الحج تعبير عن المواكبة لاجتماع المسلمين، ومزيد من الدعم لهذا المظهر التوحيدي الكبير، وتشجيع على كل ما يؤدي إلى تفاعلهم على اختلاف بلدانهم وألوانهم ولغاتهم وأجناسهم. عندما يشعر الحاج بأنه يحج مع إمامه في وقت واحد يزداد اطمئناناً وراحة، فيُضاف إلى غذائه الروحي ببركات المشاهد الشريفة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، والمناسك المليئة بمضامين الإيمان، غذاءٌ روحي يربطه بالمعصوم فيراكم التقوى بالمزيد، ويحصل من الحج على خيرات الإيمان المتنوعة.
إنَّ الحكمة من استمرار التواصل مع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه في غيبته الكبرى لا تخفى على أحد، حيث تبقى الصلة به موجودة، والإحساسُ بقربه منَّا حاضراً دائماً في حياتنا، وتوقعُ ظهوره في أي وقت أملٌ محفِّز للمزيد من العمل الصالح، والرغبةُ بلقائه دافعٌ للدعاء بتعجيل الفرج، وارتباطُ ظهوره بالنصر الأكيد والشامل شحنةٌ من الاطمئنان والرضا. إنَّه الإمام الحاضر الغائب غير المنقطع عن حياتنا وشؤوننا وشجوننا وآمالنا وآلامنا. إنَّه الإمام الذي نعيش رعايته لنا وحرصه علينا. إنَّه الإمام الذي يختصر تجربة الأنبياء والأئمة في زخمها وقوتها بقربه منّا ليأخذ بأيدينا نحو الخلاص. فإذا حججت لعامك هذا، تذكر بركات الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه مضافة إلى بركات الحج الأخرى. وإذا لم تحج تذكر حضوره في اجتماع المسلمين ومصالحهم ورعاية شؤونهم، وما النصر المقاوم على عدوان إسرائيل في تموز ببعيد.
سنعمل يا إمامنا إن شاء الله على أنك بيننا ومعنا وقائد مسيرتنا، ونسأله تعالى أن يعجل فرجك نصيراً للمؤمنين لتسود العدالة الأرض ومن عليها.
(1) الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص485.
(2) الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص339.
(3) المصدر نفسه، ج1، ص337.
(4) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج2، ص520.