ايفا علوية ناصر الدين
تذكّرت هذا الحديث الشريف، وتلمّست مصداقيته في واقعنا اليوم وأنا استمع في جلسة جمعت بعض المعارف والأصدقاء لشكوى أشخاص يعانون من غصّة محكمة تختنق في أعماق وجدانهم، وحرقة شديدة تجتاح كل كيانهم، وألم مبرح يعتصر في صميم قلوبهم. وذلك ليس بسبب داء أو مرض حلَّ بهم، بل بسبب الأمراض السلوكية المتفشية في المجتمع من حولهم. لقد حفر أولئك الأشخاص في نفوسهم أساساً لعقيدة راسخة، وإيمان خالص، والتزام ثابت بالمبادئ والأحكام والمثل والآداب والمفاهيم والتعاليم المستقاة من روح كتاب الله عز وجل.
وبنوا على ذلك صورة برّاقة رسموها في مخيلاتهم لمجتمع مثالي ناصع، يمتلئ أفراده بالفضيلة والصدق والصفاء والسمو وغيرها من المعاني التي تجسِّد سيرة نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام بشكل عملي وليس نظري. لكن أجزاء تلك الصورة بدأت تتكسر شيئاً فشيئاً على أعتاب الواقع الذي يشهده المجتمع في سلوكيات معظم أفراده الذين منهم من يقول ما لا يفعل، ومنهم من قد هجر الصدق في سيرته، ومنهم من هو مستخفّ بتطبيق الأحكام الشرعية، ومنهم من خلق لنفسه معايير جديدة في العلاقات الاجتماعية كالمال والوجاهة مثلاً، ومنهم من يتقن كل شيء إلا فن المعاملة الحسنة، ومنهم من يتخذ لنفسه سمة التكبر والعلو، ومنهم من يحفر لغيره ليؤسس لنفسه، ومنهم من هو غارق بِكُلِّه في حبال الدنيا... في ختام الجلسة قال أحد الحاضرين: "بسيطة، شوفوا وطنشوا، ولا تحملوا هَمَّ، وما تضلُّوا حاملين هالخشبة بالعرض"!.
وقال آخر: "كل واحد بهالأيام عليه بنفسو". لم تؤثر تلك العبارات في الشعور المتأجج في نفوسهم، ولا هدأت سريرتهم، وقد استشفَّيت ذلك من ملامحهم التي ما وهنت باليأس والخيبة، بل اختزنت النية للسعي إلى الإصلاح والتغيير، وقد وافقتهم الرأي.