الشّيخ يوسف سرور
عادت قصة الحياة في هذه الحقبة من الزمن إلى بداياتها، حيث التماس السبل وتتبّعُ الطرق موكول إلى الأولويات الحاكمة عند الناس. كأن كل التجارب المتراكمة عبر التاريخ من عمر البشرية لم تنفع الكثير من الأفراد، والوقائع والأحداث الواصلة إلينا عبر المصادر المختلفة، والتي هي متاحة للقارئ، ومتهيئة للمتأمل، كأنها طويت في لفائف الأيام وحجبتها السنون. قراءة التاريخ، تعتبر مصدراً أصيلاً من مصادر تكوين المعرفة، وعمراً آخر يعيشه البشر، يضاف إلى حياتهم الخاصة، كما يقول سماحة الإمام الخامنئي في كتاب "الإمامة والولاية".
كأن حكاية الحق والباطل وصراعهما حكاية حديثة العهد في حياة الناس، إذ لم يتعلم الكثيرون منهم أن كل أشكال الصراع الحاصلة الفردية منها وغير الفردية خاضعة لميزان التقييم المنطقي! كأن إبليس لم يقعد لأفراد البشر كل مرصد، ولا يأتيهم عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن فوقهم ومن تحت أرجلهم! كأن قصة قابيل وهابيل لم تحملها أجنحة الزمن، ولم تكتب في صحائف الأقوام والشعوب! وكأن الطوفان الذي كان انتقاماً إلهياً من أقوام جحدت الحق وكانت من الكافرين، لم يحصل ولم يفنِ دولة الباطل، ويجعل الأرض لله يورثها من يشاء من عباده!
لكأن قصة النمرود الذي انتفض لكبريائه، وثار لجبروته، وأجج النار المسعرة التي جعلها الله تبارك وتعالى برداً على إبراهيم، وانتقم من نمرود وجنوده وجعلهم آية للعالمين كأن قصته لم تمثل أمام نواظر العالمين ليكونوا من المتدبرين ويرعووا عن اقتفاء آثاره واحتذاء مساره! لكأن قصة موسى بن عمران الذي أبطل الله سحر السحرة على يديه، وأظهر آياته في النار وما حولها، وأبرز براهينه وأنطق الجبل الذي صعق السامعين، وأغرق فرعون وجنوده في اليم، بعد أن شق العبد المطيع لله البحر بعصاه فسلك في البحر طريقاً يبساً، وأورث الله الأرض لعباده الصالحين كأن قصة موسى لم ينطق بها التاريخ ولا كتب السماء!!
وكأن ابنة عمران التي اصطفاها رب العزة وطهرها واصطفاها على نساء العالمين في زمانها، وكانت آية الطهر التي أظهر الله نعمه وبركاته على يديها، حتى أصبحت محط أنظار المحبين، وموضع نقمة الحاسدين فأخرس الله ألسنتهم بأعجوبة الدهر وآية الزمان الذي كلمهم في المهد وكهلاً، وأحيى موتاهم وأبرأ مرضاهم بإذن الله، حتى كادوا له فرفعه الله إليه وأبطل كيدهم وأكذب أحدوثتهم كأن ذلك لم تصرّح به صحائف الزمان، ولم تنطق به آيات الإنجيل والقرآن!!
وكأن لسان السماء لم ينطق بوحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي يقف معجزاً أمام كل أباطيل المرجفين، مخرساً كل ألسنة المدّعين، يعيى البيان في توضيح أسراره، ويخسأ الحرف في استنطاق آثاره، المخزون في قلوب الراسخين في العلم، والمكنون في صدور أهل البأس والحلم، المطهرين من كل عيب، والمنزهين عن الشك والريب. وكأن حملة هذا الوحي لم يحطموا كل أصنام الجاهلية ولم يسفّهوا كل أحلام الجبابرة والعتاة!! وكأن الله لم يعد نبيه والمستضعفين في الأرض من أبنائه المعصومين، بأن يجعلهم الأئمة للحق والوارثين!! لكأن آيات الحق الباهرة، وبراهين الله الظاهرة، التي أبداها الحق المتعال على أيدي عباده أولي البأس الشديد في تموز وآب، كأن ذلك من البائسين المطروحين على أرصفة الذل والهوان ومن أسماعهم بعيد. متى اعترض الريب في فعل المجاهدين؟! ومتى كانت قضايا الشعوب المستضعفة والأمم المغلوبة على أمرها تفتقر إلى إذن المستكبرين حتى ينهضوا ويرفعوا نير المهانة عن أعناقهم؟!
متى احتاجت أبطال الوغى وليوث الهيجا، في ساحة الحق التي أعمل فيها الكفر سحره، وأبطل الله كيدهم على أيدي عباده، متى احتاج هؤلاء وفعلهم إلى تأييد المفلسين أصحاب المشاريع الكاسدة، وتجار البضائع الفاسدة؟! متى انتظر صنّاع الحياة لأنفسهم ولأمتهم، في فعلهم صنع الحياة لأنفسهم ولأمتهم، وفي ردّهم بأس المعاندين ويأس المكابرين، متى احتاجوا في ذلك شهادات الموتى الذين لا يشي بحياتهم إلا ألسنتهم الملتوية وصورهم التي يبدو اصفرارها ويظهر للعيان غبارها!؟ وقديماً قيل قد أسفر الصبح لذي عينين.