اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

أوَّل الكلام: ثقافة الحياة..أحلام الصغار وفصول الحياة

الشيخ يوسف سرور

 



الوجهة الغريزية والفطرية للإنسان في معترك الحياة هي استثمار الموارد المتاحة في حوزته, وكذلك في بيئته, من أجل تنشيط الأرصدة, وتحريك رؤوس الأموال في اتجاه تحصيل الزيادة وتأمين النماء. بل, إن الإنسان يرغب في هذا المجال أن يستقطب كافة الفرص المتاحة واستغلالها على أكمل وجه, حتى يحقق النسبة الكاملة من النماء الممكن.

نرى أن الإنسان يتفاعل بمشاعره وأحاسيسه, يسابق الواقع في أحلامه وآماله, يبني الممالك ويشيد القصور.. يشق المسالك ويمد الجسور- كل ذلك - في أحلام الصباح والمساء, من أيام الصيف والشتاء, والربيع والخريف على حد سواء. يذهل المرء عن حقيقة أن هذه الفصول لا يحتكر تعاقبها الأيام والسنون على التراب والشجر, والرياح والمطر.. في يابس الأرض وبحرها وأفقها, وبالكاد تحضر في وجدانه حقيقة أن فصول الحياة تلك, تختصر حكاية الحياة. تسبح خيالات الحالمين في فضاءات الوهم..تنسج جلابيب الزهوبخيوط الآمال.. تبني مدائن السراب خلف أجنحة الضباب.. وتشيد قصور الهباء على أسسٍ من رمال. يغيب عن بال الغافلين أن الحياة تبدأ ببراءة الطفولة ونعومتها..تفتتح أيامها بالرعاية والاحتضان.. يبذل المحيطون كل طاقة - بل يمكن أن يهبوا كل ما يملكون- في سبيل حفظ أحلام الطفولة وآمال البراءة,من أجل تقديم ما يفرح القلوب الصغيرة النقية,ويمسح آثار الألم والحزن عن الصدور الغضة الطرية, ويفتح آفاق الأيام وفضاءات المستقبل أمام تلك البراعم الندية.. يكبر المسكين وتكبر معه آماله وأحلامه, يبدأ بانتهال معارف الحياة من مختلف مدارس الحياة.. من المعاهد والشوارع والساحات وحقول الحياة..ويشرع بالسعي للأخذ بأسباب النجاح,فيبحث عن عوامل القوة والاقتدار.

وما ذلك إلا في سبيل تلك الأحلام.. لكن، يغيب عن باله أنه كلما تقدمت به الأيام وتمادت به السنون,كلما بدأ يفقد عوامل الرعاية من محيطه, وأصبح بحاجة إلى الاعتماد على الذات, وبات يواجه المسئوليات المختلفة,التي يحتاج تحملها والتصدي لها إلى التخفف من أحلام الطفولة وآمال الصبا.. يحتاج إلى الواقعية والموضوعية, بحيث يفرض عليه ذلك الموازنة بين إمكاناته وقدراته, وبين اهتماماته وأولوياته.. يغيب عن البال أن مصالح الكبار ومشاريعهم,لا تنتظر تفتح البراعم وأحلامها, ولا تحتسب حساسيتها ورقتها, ولا نداوة أوراقها وطراوة عودها.. يدوس الكبار على أحلام الصغار إذا كان الاشتغال في إنقاذ المصالح وتحقيقها, فكيف يكون الحال,والحال أن الكبار في همّ إنقاذ الذات فضلا عن المصالح؟ فإن الصغار حينها,الذين ما فتئت تخفق في صدورهم قلوب الأطفال, سوف تسحق كياناتهم, ويتخلى عنهم رعاتهم.. وسوف لن يجدوا من يشفق لحالهم.. إلا كباراً ملأ بارئهم نفوسهم عزيمة العظام, وانبعثت في جوانبهم همم الكرام.. الذين لوحملوا على الجبال لأزالوها, ولوواجهتهم المصاعب والأهوال لاقتحموها.. دون حساب لكل الأرقام, صغيرها وكبيرها.. أعظم ما يبعث الحسرة في قلوب البائسين,الذين رهنوا آمالهم ومستقبلهم في أيدي وحوش العالم, وقد غاب عن ألبابهم, أن فصول الحياة كما تتداولها الطبيعة كذلك تتداولها أيام الحياة. والمحزن أكثر أن هؤلاء لن يستفيقوا من سبات دهريُّ ليطلعوا أن آمالهم وأحلامهم قد طالتها يد الحياة, وعبثت بها عوامل الحياة, وتعاقبت عليها فصول الحياة..وهي في ذروة اصفرار أوراقها وانكسار جذوعها, قبل أن تعصف رياح الحياة وتأتي آلة الزراع وتنزع من جذورها الحياة. فما على هؤلاء المرهقين, الذين أرعبهم كابوس البأس وأيقظهم صدى تحطم آمال سادتهم وتهشم آلات كبرائهم- ما عليهم - سوى العودة إلى اليقظة والإقرار للسادة الكبار, وقبول يد الأعزاء من رجال لله الحانية عليهم.. لينقذوا ما تبقى.. وإلا, فعاصفة الحياة لا تبقي ولا تذر...

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع