ولاء إبراهيم حمود
إلى صغارنا الذين كانوا يسابقون الفجر إلى مدارسهم كل صباح، كما كانوا يتسابقون فيما بينهم لدعم المقاومة بالهتاف والنشيد والمصروف اليومي الخاص وإن قلّ. إليهم وقد قاوموا كل تهديد من العدو براً وبحراً وجواً وكانوا بحق أبطالاً سبقوا زمن البطولة، إليهم مع دعوتي للاستمرار بمقاومة الجهل والسير بثبات نحو دروب النجاح وإن ناءت الكتف الصغيرة بثقل الحقيبة المدرسية الكبيرة.
زاوية حادة
... دخلا معاً صامتين وقد امتقع لون الفتاة وتدلَّت شفة أخيها السّفلى حتى غطّت ذقنه أو كادت.. ما الأمر؟.. ماذا حدث..؟
زاوية قائمة:
تضاعفت وطأة الصمت.. عبثاً حاولت الأم إيجاد مفتاح يفتح بابه، هذا الظاهر المستتر، فمدّت يديها إلى المحفظتين اللتين بدتا أكثر ثقلاً وانتفاخاً وفتحت الحركة السحرية باب الكنز الموصد على رتاج الخوف.. وترافق اعترافان خجولان على دروب التردد الكئيب.. المُحبِط.
ـ ماما.. سامحيني..
ـ ماما.. علامتي فئة "ج".. هذه أول مرة..
إزداد طين الصمت بلة، وقطّبت الأم حاجبيها، وقرعت طبول قلبيهما أصداء الرهبة. وعبثاً حاولت نظراتهما توسل العفو، وجمع أشلاء القدرة على تحمّل الغضب السّاطعة نيرانه، الساكنة حتى اللحظة حمم بركانه.. ووقفا معاً ينتظران..
زاوية منفرجة
إمتدت بالاتجاهين يداها.. ابتعدا.. ظناً منهما أنهما يتقيان صفعةً أولى على الحساب.. والتمعت في خيالهما الخائف النظرات.. كل نجوم الظهيرة.. بيد أن اليدين انطوتا على الهامتين المرتعشتين برفقٍ وضمتاهما إلى فيء قلب، قاد نبضات قلبيهما إلى لحن متوحد ومتلازم مع مسارات الاطمئنان والثقة.. فانقلب لهيب خوفهما برداً وسلاماً.. وفتح باب الكنز الموصد.. على دروب الحب الكبير والتفهّم الهادئ:
ـ لا بأس يا صغيرَيّ، هي مرةٌ أولى.. أرجو أن تكون الأخيرة.. عِداني بذلك.. بعد أن تتعاونا معي في البحث عن الأسباب لايجاد العلاج. وتلألأت الوعود.. دُميعاتٍ متوافداتٍ.. على شكرٍ وندمٍ واستحياء.. شعاعان في الدائرة: وبعد شهرين.. تركت الأم بسرعة ما في يديها.. لتفتح الباب الذي راح يرقص طرباً على إيقاع الطرقات المتلاحقة دون انقطاع.. وخلفه، وقفا معاً.. وقد حمل كلٌّ منهما في يده بطاقة علاماته وقد حملت ملامحه كل أفراح الكون.. وأفصحا معاً وتفاصحا:
ـ ماما.. قبّليني أولاً.. فأنا الآن فئة "أ".
ـ وأنا.. فئة "ب".. ألا ترينني أستحق قبلة أيضاً؟ وبقيت المحفظتان على عتبة الباب المفتوح لدقائق.. لأنها حملت صغيريها بقوة فرحتها العارمة على أجنحة الأمل.. بالغد المشرق إلى حيث وقف الباقون ينتظرون.. أبٌ وأخوان.. وهديتان.