خديجة سلوم(*)
عن أمير المؤمنين عليه السلام:
" وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته"(1). إن ما يتأسّس عليه الإنسان منذ الصغر ينطبع في شخصيته ويتحول إلى سلوك عادي، لا سيما على مستوى القناعات والسلوك. لذا، على الوالدين أن يهتما بقيمة هذه الفرصة المناسبة ويستغلاّ هذه المرحلة التي تتفتّح فيها مشاعر الطفل ويقظة فطرته الإيمانية السليمة، فيعملا على تنمية إيمانه وارتباطه بالله، مما يجعله يتجه في طريق الطهارة والإيمان، طريق العبودية والطاعة التي تضمن وصوله إلى السعادة والكمال المحدد للإنسان. وقد ورد الكثير من الروايات التي تعتبر أن تنمية الإيمان والفضائل في نفس الطفل حق على عاتق الأهل، ومنها ما جاء في قول للإمام السجاد عليه السلام: "وإنك مسؤول عما وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه"(2).
* سنّ التشرّف بالتكليف:
لذا، من المهم جداً المبادرة إلى زرع بذور الإيمان والفضائل في نفس الفتى أو الفتاة قبل أن يبلغا سن التكليف أو البلوغ الشرعي، وهو خمس عشرة سنة هجرية للفتى (ما لم تظهر العلامات الجسدية)، وتسع سنوات هجرية للفتاة. عندها، عليهما أن يمتثلا للتكاليف الإلهية (فعل الواجبات وترك المحرمات). وفيما يتعلق بالفتاة والتي كما هو معلوم تنال شرف التكليف الإلهي قبل الصبي بفاصل ست سنوات هجرية، لأنها أسبق من الفتى في النضج الجسدي والفكري، كان لها أن تكون الأسبق لتحمل المسؤولية وبدء مسيرة العبودية لله جلَّ وعلا.
* تاج من نور:
مرحلة فاصلة وخط مصيري تخطو فيه الفتاة أُولى خطواتها المدونة في كتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة، متميزة عن ما يُؤمر به الصبي من تكاليف، بتكليف يختص بها ويجسد هويتها الإنسانية ويرسم أسلوب حياتها بخطوط ملؤها الطهارة والعفاف وهو الحجاب، الذي يعتبر من أولى أولويات الفتاة، وبه تكون قد توجت نفسها بتاج من النور، لتصبح محلاً لطاعة الله، وأهلاً لاستحقاق شرف تكليفه.
* مقدمات وتمهيد:
وحتى تستطيع الفتاة أن تنجح في وضع قدم العزيمة على درب الفرح، تحتاج إلى مقدمات وتمهيد يرتكز على وجود تماثل بين الروح والجسم من الناحية الإيمانية، فتكون البداية بترسيخ الإيمان بالله في نفسها وروحها، ومن ثَم البدء بتدريبها على العبادات بشكل تدريجي، لأنَّ الأمور الفجائية تكون شاقة على النفس وغير مقبولة. ومن هذه العبادات التمرينية الصلاة، الصوم، الدعاء، زيارة المساجد، المشاركة في إحياءات شهادات وولادات المعصومين عليه السلام، لا سيما مراسم عاشوراء الحسين عليه السلام ...
ولا بد وبالخصوص من الإشارة إلى أهمية تعليمها القرآن الكريم، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ".. ومن علمه القرآن دُعيَ الأبوان فكُسيا حلتين يضيء من نورهما وجوه أهل الجنة"(3). وبما يخص الفتاة تحديداً، ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: "إذا كانت أنثى أن يعلمها سورة النور ولا يعلمها سورة يوسف"(4)، فضلاً عن تمكينها من معرفة أحكام الحلال والحرام لتصبح عاملة وملتزمة بها قبيل بلوغها وتكليفها. وهذا جانب نجد وللأسف أن الكثير من الأهل يغفل عنه ويستغرق بالتركيز في الجانب الصحي والغذائي أو التعليمي، فهما وإن كانا مطلوبين ليسا أولوية بلحاظ أهمية تكوين البنية المعلوماتية والتي تشكل الرصيد الأساس وبالتالي الانتقال من مرحلة التلقي إلى مرحلة الاقتناع والالتزام والفهم والتبني للتكاليف الشرعية. أما فيما يتعلق بالحجاب، فالأمر يحتاج إلى عناية بكافة الظروف المحيطة بالفتاة، بدءاً من تعويدها على اللباس المحتشم منذ الصغر، وهذا ما لا يلتفت إليه وللأسف الكثير من الأمهات اللواتي يعوّدن بناتهن على ارتداء الملابس غير المحتشمة طيلة الفترة التي تسبق مرحلة التكليف، الأمر الذي يجعل لديهن قبولاً واعتياداً على هكذا نوع من الملابس وبالتالي توجيه اهتمامهن ولو بشكل غير مباشر إلى إبراز جمالهن ومفاتنهن، الأمر الذي يُصعّب عليهن قرار التزام الحجاب عند بلوغ سن التكليف.
* خطوات على طريق الحجاب:
وإذا أردنا تحديد الخطوات اللازم اتباعها لناحية التحضير النفسي والعملي لتهيئة الفتاة للالتزام والحجاب، علينا الاهتمام بـ:
ـ تعويد الفتاة على اللباس المحتشم.
ـ تحضيرها لفكرة الالتزام بالحجاب، عبر الحديث عن أنها عندما تصبح في سن تسع سنوات هجرية عليها أن تلتزم بالحجاب.
ـ تعزيز فكرة أن تاريخ تكليفها سيكون يوماً مميزاً، والبدء بالتحضير له في أجواء من الحماس والفرح.
ـ التأكيد على مسألة أن من يحب الله يطيعه بكافة ما يأمر به وينتهي عن كل ما ينهى عنه، وأن الحجاب هو عمل عبادي ترتديه الفتاة امتثالاً لأمر الله تعالى وتقرّباً منه.
ـ تعليمها ولو بشكل مبسط أحكام الحجاب وحدوده الشرعية.
ـ إشراك الفتاة في اختيار ثياب للصلاة خاصة بها، وتعليمها أحكام الصلاة، وتعويدها على الالتزام بهذه الفريضة، كما ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله: "مروهم بالصلاة وهم أبناء سبع"(5) وارتداء ثوب الصلاة كرمز استعداد وتحضير نفسي وعملي لعبادة وطاعة الله.
وحتى تستطيع الفتاة مواجهة الأعراف الاجتماعية الفاسدة، والتي تتناول مسألة الحجاب في هذه السن المبكرة بشكل سلبي، أو تعتبره عادة قديمة وتخلفاً يساهم في الحد من حرية الفتاة وقدرتها على التعلم وفرصة تحقيق طموحاتها العلمية والعملية، على الأهل اختيار البيئة السليمة لتنشئة بناتهم، سواء لناحية اختيار المدرسة أو الصديقات والتأكد من أنهن من بيئة ملتزمة ويتناولن مسألة الالتزام بالحجاب على أنها واجب على الفتاة المسلمة المؤمنة ولا شيء يعفيها من الالتزام به، ولا يشككن بأنه أمر جيد وأكثر حماية وستراً للمرأة. فلا تعير عندها أي اهتمام بالتعليقات السلبية التي قد تسمعها من استهزاءات أو تشكيك بقيمة التزام الستر الشرعي، بل تواجهها بكل ثقة وثبات. ومن الضروري الالتفات إلى أهمية مسألة التحفيز المعنوي والمادي، حيث لا بد من إيجاد أجواء فرح واهتمام بهذا الحدث الكبير، والحرص على تقديم الهدايا، وإقامة احتفال ولو في إطار ضيق يجمع الأهل والأصدقاء ويكرّس يوم التكليف مناسبة عزيزة مميزة وسعيدة، لها أثر ايجابي كبير يسمح للفتاة بتعزيز تمسكها بحجابها وتدينها لاحقاً، وكمحطة جريئة تتحدى فيها الكفر والانحراف وتعبّر عن إيمانها وحبها لله عزَّ وجل، وعن اقتدائها بسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وابنتها زينب عليهما السلام حقَّ الاقتداء، فتمضي قدماً في تبيان معالم مستقبلها المشرق بالعفة والطهارة والايمان والنجاح.
* "نِعم البنات.. المخدرات":
وللفتاة التي ترتدي الحجاب مرتبة عظيمة، وهذا ما أخبرنا به الرسول الصادق الأمين صلى الله عليه وآله حين قال: "نعم الولْد البنات المخدّرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار"(6) أختم بما جاء في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام حول حق الولد "وأما حق ولدك، فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالة على ربه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه، فمثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر الى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والآخذ له منه ولا قوة إلاَّ بالله" أسأل الله عزَّ وجل أن يوفقنا لأداء حقوق أولادنا ويجعلنا ممتثلين لقوله "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة ..." (التحريم: 6) فنكون مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وآله "إذا مات الإنسان، انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: علم يُنتفع به، أو صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له""(7).
(*) مسؤولة الهيئات النسائية – بيروت
(1) عيون الحكم والمواعظ، علي بن محمد الليثي الواسطي، ص179.
(2) تحف العقول، ص263.
(3) المجلسي في بحار الأنوار، ج104، ص99.
(4) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص199.
(5) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج85 ص133.
(6) المجلسي، بحار الانوار ج104 ص91.
(7) روضة الواعظين، النيسابوري ص11.