مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه الولي: أغاني الأطفال

الشيخ علي حجازي



ـ المشكلة:
شاع بين الكثير من المسلمين ممارسة الغناء واستماعه، بحيث دخل الغناء إلى الكثير من البيوت والمدارس والمعاهد، وبعض الأماكن الدينيّة، وقد وصل الأمر إلى إخفاء الغناء تحت عناوين حسّاسة: كالموالد، وأغاني الأطفال، والأغاني ذات المضامين الإسلاميّة، وغير ذلك، بحيث اختلط الأمر على البعض، فلم يعودوا يميّزون الحلال عن الحرام في بعض المصاديق. وستتعرّض هذه المقالة لبعض التوضيحات عن الحلال والحرام من الغناء، مع تأسيس بعض القواعد؛ لعلّ الله سبحانه يزيل الفجيعة عن بعض بيوتنا، وتعود الملائكة للدخول إلى هذه البيوت، وتسهل الإجابة على الدعاء(1).


ـ مقدّمة:
بعض أدلّة تحريم الغناء:

ـ رُوي بسند معتبر عن زيد الشحّام، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوله عزَّ وجلَّ ـ: ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور (الحج: 30)؟ قال: قول الزور الغناء"(2).
ـ وفي الرواية المعتبرة عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال: "سمعته يقول: الغناء ممّا وعد الله عليه النار، وتلا هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (لقمان: 6)(3).
ـ وفي الرواية المعتبرة عن الإمام الصادق عليه السلام: "في قوله عزَّ وجلَّ ﴿لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (الفرقان: 72)؟
قال: الغناء"(4). والروايات كثيرة وعجيبة حول الغناء، فليُراجع كتاب وسائل الشيعة وغيره.

ـ توطئة:
يعتقد البعض أنّ اشتمال الأغنية على كلام حقّ يجعلها محلّلة، فهم يحصرون الحرمة بالأغنية التي تحتوي على كلام باطل. والصحيح هو أنّ الغناء المحرّم ما ينشأ عن الكيفيّة المسموعة حتّى لو كانت بكلام حقّ، فالعبرة أيضاً بالكيفيّة، نعم لا يجوز التغنّي بالباطل، وهذا لا يعني الجواز بالطريقة المعروفة بكلام حقّ، فالمهمّ أن لا يكون اللحن والأسلوب لحن وأسلوب الأغاني.

ـ تعريف الغناء:
الغناء هو ترجيع الصوت على الوجه المناسب لمجالس اللهو. فالغناء بحسب هذا التعريف يركّز على ثلاثة أمور:
الأوّل: الصوت، والمقصود بالصوت أنّ الغناء ليس من مقولة الكلام، فلو كانت كلمات الأغنية مأخوذة من مفاهيم دينيّة إسلاميّة، أو كانت مدحاً لقيادات دينيّة، أو كانت تتضمّن مفاهيم مختلفة لا يوجد فيها باطل، لا يكفي هذا لاعتبار أنّها حلال، بل العبرة بالصوت، أو بالكيفيّة المسموعة، فلو كانت الكيفيّة محرّمة فيحرّم الغناء حتّى لو كانت بالقرآن الكريم.
الثاني: الترجيع، وهو ترديد الصوت في الحلق وإدارته، وخفضه ورفعه والترجيع يعني كيفيّة خاصّة توصل الصوت إلى حالة محرّمة، وهذا لا يعني أنّ كلّ ترجيع حرام، فالترجيع في الأذان أو القرآن أو مجالس العزاء موجود، وهو ليس حراماً بنفسه، لكنّ وجوده أساسيّ للوصول إلى التغنّي.
الثالث: التناسب مع مجالس اللهو، وهي مجالس التغنَّي والاستماع والطرب.

ـ حكم الغناء:
الغناء حرام من جهة التغنّي، وحرام من جهة الاستماع، ولا يجوز حتّى بين الزوج وزوجته، ولا يجوز حتّى للشخص بمفرده. والحرمة ثابتة مع الكيفيّة المسموعة الخاصّة حتّى لو كان بكلمات حقّ.

ـ الأطفال:
المقصود بالأطفال هم غير البالغين، فيشمل الصبيّة التي لم تبلغ تسع سنوات قمريّة(5)، ويشمل الصبيّ الذي لم تظهر عليه علامات البلوغ، ولم يبلغ خمس عشرة سنة قمريّة(6). وبما أنّ غير البالغ قد رُفع عنه التكليف، ورُفعت عنه المؤاخذة والإدانة، فلا يتوجّه إليه النهي عن الغناء، فلا يحرم على غير المكلّف أن يستمع إلى الغناء المحرّم. وأمّا المكلّف، فحكمه حرمة الاستماع إلى الغناء، وحرمة التغنّي.

ـ أغاني الأطفال:
توجد أغان أُنتجت بشكل خاص للأطفال، وهذه الأغاني نوعان:

الأوّل: ما خصّص للأطفال من خلال الكلمات، غير أنّ اللحن هو نفس لحن الأغاني الأخرى.
الثاني: ما خرج عن اللحن المتناسب مع مجالس اللهو.
فما كان من النوع الثاني يجوز التغنّي به واستماعه للصغير والكبير، مع عدم الاختلاط المحرّم بين البالغين، وعدم الحرمة لأنّ الكيفيّة ليست كيفيّة لهويّة. وأمّا ما كان من النوع الأوّل، فلا يجوز للبالغين التغنّي به والاستماع إليه، سواء أكان من قِبَل الأم، أو الحاضنة، أو الحادقة، أو غيرهنّ. وأمّا غير البالغين، فلا تكليف موجّه نحوهم، فلا يحرم عليهم التغنّي أو الاستماع لهكذا أغان.

الخلاصة:
لا فرق في حرمة الغناء تغنّياً واستماعاً على البالغين بين أغاني الكبار وأغاني الصغار. ولا فرق في عدم حرمة الغناء على غير البالغين بين أغاني الكبار والصغار. ولكن على البالغين أن لا يشاركوا الأطفال فيما حرّم غناءً واستماعاً.

ـ نصيحة:
يُنصح أولياء الأطفال غير البالغين بعدم توجيه الأطفال نحو التغنّي أو نحو استماع الغناء المحرّم على البالغين؛ وذلك لحفظ أرواحهم وقلوبهم وعقولهم من التأثير السلبّي للغناء، والذي نطقت به الكثير من الأخبار، وحتّى لا يعشق هذا النوع فيصير إبعاده عنه بعد البلوغ بالغ الصعوبة. ولا مانع من توجيههم نحو نوع خاصّ من الغناء لا يدخل تحت الغناء اللهويّ المتعارف.

ـ محطّات فضائيّة:
توجد بعض المحطّات الفضائيّة التي تدّعي اختصاصها بالأطفال، فتبثّ أغاني الأطفال، ومن المعلوم أنّ بعض البيوتات تفتح هذه المحطّة، وتتركها للأطفال، وكثيراً ما يستمع البالغون لهذه الأغاني، ويشاركون أطفالهم فيها، وهذه الأغاني وإن كانت للأطفال إلاّ أنّها تتّصف بالألحان المحرّمة؛ ولذا لا يجوز للبالغين الاستماع إليها، كما لا يُنصحون تربويّاً بترك أطفالهم عرضة لإضعاف حصانتهم الروحيّة. ولا يغتّر البعض بالأسماء الجميلة لبعض هذه الأغاني، أو اسم المحطّة، فإن هي إلاّ أسماء سمّوها هم.
 


(1)إشارة إلى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "بيت الغناء لا تُؤْمن فيه الفجيعة، ولا تجاب فيه الدعوة، ولا يدخله الملك".
(2) العامليّ الحرّ، وسائل الشيعة، باب 99، باب تحريم الغناء... حديث 22594 أو 1.
(3)وسائل الشيعة، باب 99، حديث 22595 أو 2.
(4)والرواية نفس المصدر السابق، حديث 22599 أو 6.
(5)وسائل الشيعة، باب 99، حديث 22596 أو 3.
(6)كلّ سنة قمريّة تقلّ بعشرة أيّام، و21 ساعة، و17 ثانية عن السنة الشمسيّة تقريباً.

أضيف في: | عدد المشاهدات: