الشيخ نعيم قاسم
إنّ أدعية النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليه السلام تقرّبنا من الله تعالى، وتعزِّز صلتنا به، وتوجِّه مطالبنا الدنيوية على طريق الهداية والاستقامة. إنَّها أدعية هادفة بالطلب من الله تعالى لما يصلح له حالنا في الدنيا، لكنَّها ليست مجرَّد شؤون دنيوية، أو رغبات مادية، بل هي مزيج من تربية النفس والتعبير عن المطالب. ولم يرد في الدعاء نص، في بدايته أو نهايته أو ما بينهما، إلاَّ ولهُ دلالته في تحقيق هذا المزيج. ورد في "مصباح المتهجد" للشيخ الطوسي ما يختص بتعقيب صلاة الظهر الدعاء التالي: "يا سامع كل صوت، يا جامع كل فوت، يا بارئ كل نفس بعد الموت، يا باعث، يا وارث، يا سيد السادة، يا إله الآلهة، يا جبار الجبابرة، يا مالك الدنيا والآخرة، يا رب الأرباب، يا ملك الملوك، يا بطاش، يا ذا البطش الشديد، يا فعالاً لما يريد، يا محصي عدد الأنفاس ونقل الأقدام، يا من السر عنده علانية، يا مبدئ، يا معيد. أسألك بحقك على خيرتك من خلقك، وبحقهم الذي أوجبت لهم على نفسك، أن تصلي على محمد وأهل بيته، وأن تمنَّ عليَّ الساعة الساعة بفكاك رقبتي من النار، وأنجز لوليك وابن وليك، الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك، وحجتك على خلقك، عليه صلواتك وبركاتك وَعْدَه. اللهم أيده بنصرك، وانصر عبدك، وقوِّ أصحابه، وصبِّرهم، وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً، وعجِّل فرجَه، وأمكِنه من أعدائك وأعداء رسولك، يا أرحم الراحمين"(1).
* بين طيّات الدعاء:
يذكر مطلع الدعاء صفات عديدة لله تعالى تشتمل على سماعه لكل شيء، وامتلاكه كل شيء، بيده الخلق والقوة والإحياء والإماتة ومعرفة السر... وما يجمع بين هذه الصفات انحصار القدرة في كل شيء بيد الله تعالى، في الدنيا والآخرة، بحيث لا يخطر شيء على بال الإنسان إلاَّ ويجده عند خالق البشرية وبارئها. إذاً، عندما نبدأ الدعاء بالطلب من الله تعالى الذي يملك هذه الصفات، فنحن نلجأ إلى من بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على تلبية مطالبنا إذا أراد ذلك. ثم يبدأ السؤال عن أربعة أمور تخدم مسار الإنسان للنجاح والفوز في الدنيا والثواب في الآخرة، وهي خطوات ضرورية لتقويم حياة الإنسان وإسعادها:
1 الصلاة على محمد وآل محمد:
قال أمير المؤمنين علي عليه السلام كما روي عنه: "كل دعاء محجوب من السماء حتى يُصلَّى على محمد وآله"(2). فبداية السؤال بالصلاة على محمد وآله مفتاح قبول الدعاء، وتأكيد على الارتباط بآل البيت عليهم السلام. لذا، كانت البداية: أسألك بحقِّك على خيرتك من خلقك، وبحقهم الذي أوجبت لهم على نفسك، أن تصلي على محمد وأهل بيته.
2 النجاة من النار:
حيث الحياة الأبدية في يوم الحساب، وهي خلاصة العمل في هذه الدنيا، فالرجاء من الله تعالى أن تكون الخاتمة الأبدية سعيدة، وأن تكون النجاة من النار ثمرة الرحمة الإلهية ومغفرة الذنوب، وهذه منحة إلهية للمتقربين منه، السائلين لمنِّه وعطائه: وأن تمنَّ عليَّ الساعة الساعة، بفكاك رقبتي من النار.
3 تعجيل الفرج:
نحن موعودون بظهور الحجة المهدي عجل الله فرجه في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، ونحن بحاجة إلى تعجيل الفرج لنتخلص من الفساد والظلم والانحراف والضلال، وبما أن الفرج مرتبط بالأمر الإلهي لليوم الموعود، فإنَّ اللجوء إلى الله تعالى بالدعاء لتعجيل الفرج هو المفتاح الإنساني للعطاء الرباني بظهور الإمام عجل الله فرجه. ولذا، كان الطلب من الله تعالى: وأنجز لوليك وابن وليك، الداعي إليك بإذنك، وأمينك في خلقك، وعينك في عبادك، وحجتك على خلقك، عليه صلواتك وبركاتك وَعْدَه. اللهم أيده بنصرك، وانصر عبدك، وقوِّ أصحابه، وصبِّرهم، وافتح لهم من لدنك سلطاناً نصيراً، وعجِّل فرجَه.
4 النصر على الأعداء:
هذا المطلب مرتبط بالمكاسب الدنيوية لجماعة المؤمنين بسيادة دولة العدل، وبانتصار الاتجاه الإيماني على الكفر والانحراف، وبتهيئة المناخات للعيش الكريم في إطار طاعة الله تعالى وتطبيق منهجه: وأمكِنْه من أعدائك وأعداء رسولك يا أرحم الراحمين.
* دعاء الإمام الحجة للمؤمنين:
ورد في دعاء آخر منسوب للإمام الحجة عجل الله فرجه ما يُبيِّن الاهتمام بحاجات المؤمنين في هذه الدنيا، ففيه: "إلهي، بحقِّ من ناجاك، وبحقِّ من دعاك في البحر والبر، صلِّ على محمد وآله، وتفضِّل على فقراء المؤمنين والمؤمنات بالغنى والسعة، وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات بالشفاء والصحة والراحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات باللطف والكرامة، وعلى أمواتِ المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء المؤمنين والمؤمنات بالرَّدِ إلى أوطانهم سالمين غانمين، بحقِّ محمدٍ وآله أجمعين"(3). يعلمنا الإمام الحجة عجل الله فرجه أن يكون دعاؤنا لجماعة المؤمنين، بما يلبي حاجاتهم الدنيوية، وغفران ذنوبهم في الآخرة، وهذا ما ينعكس على كل مؤمن منهم، ويخرجهم من الأنانية، ويجعلهم في دائرة التواصل والتكافل والتعاون والتماسك والوحدة. أطلب لنفسك في إطار جماعة المؤمنين، وتمنَّ لهم مما تتمناه لنفسك، ولا ضير في طلبك لشرائح مختلفة من هذا المجتمع ما يرفع عنها البلاء والاختبار.
1- أطلب للفقراء من المؤمنين والمؤمنات الغنى والسعة في الرزق، فالرزق بيد الله تعالى، فإن قدَّر مصلحتهم في ذلك، فلعلَّ دعاءك يكون مفتاحاً لعطائهم.
2- أطلب الشفاء لمرضى المؤمنين والمؤمنات، فالصحة نعمة عظيمة، والله هو المانح للشفاء، "وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" (الشعراء: 80) ومن حق المؤمنين والمؤمنات أن يسألوا الله تعالى من فضله.
3- أطلب اللطف والكرامة لأحياء المؤمنين والمؤمنات، فاللطف من الله تعالى رحمة عظيمة يبتدئها لعباده، والكرامة سخاءٌ وإحسان تترك آثارها في سعادة المؤمنين.
4- أطلب المغفرة والرحمة لأموات المؤمنين والمؤمنات، فلم يعد بيدهم أن يعدِّلوا أو يضيفوا إلى أعمالهم الدنيوية أي شيء. فإذا منحهم الله تعالى مغفرته ورحمته، فإنهم يتجاوزون الصراط، وينجون من الحساب، وينالون الجنة.
5- أطلب ردَّ غرباء المؤمنين والمؤمنات إلى أوطانهم، فلا يعلم أحدٌ ما قدَّر الله تعالى للناس، إلاَّ أن العيش في الوطن مع الأهل والأحبة يؤدي إلى الطمأنينة والراحة، خاصة في الأجواء الإيمانية التي لا تتوفر في الغربة وفي بلاد الكفر. إنَّ الدعاء توجيهٌ نحو الخير والصلاح في مفردات حياة الإنسان، يُتوَّج بأعظم الدعاء بفرج مولانا صاحب العصر والزمان(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء).
(1) الشيخ الطوسي، مصباح المتهجد، ص60 و 61.
(2) الشيخ الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص312.
(3) الشيخ الكفعمي، المصباح، ص306.