الشيخ علي حجازي
* المشكلة:
تنتشر بين المطلَّقين حالات يتبيّن منها أنّ الطلاق في بعضها يقع باطلاً، فالبعض يريد الطلاق بشكل سريع، ولا ينتظر الوقت المناسب للقاء علماء خبراء، يتّقون الله تبارك وتعالى ـ. وتكون المرأة في عهدة زوجها، وهي تتوهّم وتعتقد أنّها مطلقة السراح، فتتزوّج رجلاً آخر، وتكون المصيبة قد وقعت، فالمرأة تزوّجت رجلاً وهي في عهدة رجل آخر. ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.
* اعتذار مسبق:
أتقدّم من القارئ الكريم بالاعتذار لأنّني سأورد بعض المصطلحات في مقام الضرورة، وهذه المصطلحات أساسيّة في هذا الموضوع، ولكنّها قد تزعج البعض فعذراً، ولا حياء في الدين.
* شروط المطلّقة:
الزوجة الدائمة التي يُراد طلاقها إمّا أن يكون مدخولاً بها، وإمّا لا.
فإن لم يكن مدخولاً بها، جاز طلاقها في أيّ وقت، سواء أكانت في طهر أم في حيض.
وإن كان مدخولاً بها، ففيها صورتان:
ـ الأولى: إذا كانت حاملاً جاز طلاقها في أيّ وقت، ويصحّ طلاقها حتّى لو كانت في الحيض.
ـ الثانية: إذا كانت حائلاً (أي: لم تكن حاملاً) فلا يصحّ طلاقها في حال الحيض والنفاس، بل يشترط في الطلاق أن تكون الزوجة في طهر (أي: لا حيض ولا نفاس) لم يحصل فيه دخول أصلاً.
وأمّا الطلاق في طهر فيه دخول فلا يصحّ، وهنا قد ثبت أنّ بعضاً من حالات الطلاق التي أوقعت قد حصلت في طهر فيه دخول، فيكون الطلاق باطلاً، ومع ذلك تتزوّج هذه الزوجة من رجلٍ آخر.
* تأكيد:
لا يصحّ الطلاق في طهر حصل فيه دخول، فلو وقع الطلاق في هذه الحالة، فهو باطل، والمرأة تبقى على زوجيّة المطلِّق، ولم يقع طلاق شرعيّ، ولذا لا بدّ من التدقيق، وعلى كلّ عالم دين ورد إليه طلب طلاق أن يتأكّد أنّ المرأة في طهر لم يجامعها زوجها فيه.
* خلاصة:
لا يصحّ طلاق المدخول بها غير الحامل إذا كانت في الحيض أو النفاس، أو في طهر حصل فيه الدخول. وأمّا غير المدخول بها أو الحامل، فيصحّ طلاقها في أيّ وقت، وكذا، يصحّ الطلاق في أيّ وقت للزوجة غير البالغة، والزوجة التي بلغت سنّ اليأس.
* غياب الزوج:
إذا كان الزوج غائباً عن الزوجة، ولم يكن قادراً على استعلام حالها، وأنّها في الطهر أو في الحيض، وكان يريد طلاقها، ففي المسألة صورتان:
الأولى: أن يكون للزوجة عادة وقتيّة في الحيض، وكان الزوج يعلم بعادتها، ففي هذه الصورة على الزوج أن ينتظر مضيّ وقت حيضها ثمّ يطلّقها، فإن طلّقها بعد هذا الوقت صحّ الطلاق، سواء صادف الطلاق وقت الطهر أو وقت الحيض.
الثانية: إن لم يكن للزوجة عادة وقتيّة، أو كان لها ولكنّ الزوج لم يكن يعلم بها، وجب عليه أن ينتظر مدّة يتأكّد معها أنّ الزوجة قد خرجت من العادة، ثمّ يطلّقها، فإن طلّقها بعد هذه المدّة صحّ الطلاق، سواء أصادف الطهر أو الحيض. ويستحبّ أن يكون الطلاق بعد انتظار ثلاثة أشهر بعد آخر مجامعة.
* المسترابة:
إذا كانت الزوجة بالغة، ولم تصل إلى سنّ اليأس، ولكنّها لا تحيض لأمر عارض، وتسمّى بالمسترابة، فيصحّ طلاقها بعد مضيّ ثلاثة أشهر من زمان المواقعة، ولو طلّقها قبل ذلك بطل الطلاق.
حضور شاهدين عدلين:
يشترط ليكون الطلاق صحيحاً زائداً على ما مرّ أن يكون إيقاعه بحضور شاهدين عدلين ذكرين، يسمعان إنشاء الطلاق، بشرط أن يكون الشاهدان مجتمعين معاً حين سماع الإنشاء، ولا يكفي على الهاتف.
* الصيغة:
لا يقع الطلاق إلاّ بصيغة خاصّة، كقوله: "أنت طالق".
* العدّة:
عدّة المطلَّقة فيها حالتان:
الأولى: إذا كانت حاملاً، فعدّتها تنتهي عند الوضع، سواء أكان الجنين تامّاً أو لا، حتّى لو كان مضغة أو علقة إذا ثبت أنّه حمل. وعند الوضع تنتهي العدّة حتّى لو وضعت بعد الطلاق بساعة.
الثانية: إذا لم تكن حاملاً، فعدّتها ثلاثة أطهار، وطهر الطلاق يُحسب الأوّل، وعند رؤية الحيض بعد الطهر الثالث تنتهي عدّتها.
وعدّة المتمتّع بها فيها حالتان أيضاً:
الأولى: إذا كانت حاملاً، فعدّتها مدّة حملها، وتنتهي عند الوضع كالدائمة.
الثانية: إذا لم تكن حاملاً، فعدّتها حيضتان كاملتان، فلو كانت المدّة قد انتهت، أو وهبها المدّة وكانت في الحيض، فهذه الحيضة لا تحسب من العدّة، بل تنتظر حيضتين كاملتين، غير منقوصتين. ولو انتهت مدّتها في طهر، أو وهبها المدّة، فتحتاج حيضتين كاملتين. ولا عدّة على الصغيرة غير البالغة ولا على اليائسة. نعم في حال وفاة الزوج لا بدّ من عدّة وفاة في جميع الصور، سواء أكانت الزوجة دائمة أو مؤقّتة، وسواء أكانت صغيرة أو يائسة أو لا، وسواء أكانت مدخولاً بها أم لا.
* كلمة أخيرة:
راجعوا عالماً تقيّاً خبيراً، ودقّقوا فيما يحصل؛ حتّى لا يقع أحد في المحظور، وكلّ امرأة اكتشفت أنّ طلاقها باطل وجب عليها أن ترجع إلى زوجها الأوّل، ولو كانت متزوّجة من غيره وجب أن ترجع إلى الأوّل، وزواجها من الثاني باطل، ولو حصل دخول من الثاني حرمت عليه مؤبّداً، وأولادها منه أولاد شبهة مع جهلها، وليسوا أولاد زنى. فاتّقوا الله.