السيد سامي خضرا
الحمد لله الذي ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾(1). والحمد لله الذي ﴿جَعَلَ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾(2). والحمد لله الذي ﴿جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾(3). النوم نعمة وضرورة وسر لا بديل له ولا استغناء عنه. والنوم عصيٌّ عن الوصف... يُطلب ويُسبَق بآداب ويُلحَق بآداب. فأكثر الناس غافلون عن شكر الأفضال الإلهية، والتي منها النوم.
* ماذا بعد النوم؟
عندما ينام الإنسان، عليه أن يتوقع أمراً من أمرين:
إما أن تُقبض روحُه، وإمَّا أن تُردَّ إليه، فيستيقظَ ليعمل من جديد، بعد أن فُسِحَ له في أجله مرَّةً أُخرى. قال الله تبارك وتعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الزمر: 42).
والتوفي والاستيفاء هو أخذ الحق بتمامه وكماله. وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ينام، يضع خدَّه على يده اليمنى، وهو يرى أنَّه ميتٌ في ليلته تلك(4). وروي أنَّ لقمان على نبينا وآله وعليه السلام قال لابنه: "يا بني، إن كنتَ تشكُّ في الموت، فلا تنمْ، فكما أنَّك تنام كذلك تموت، وإن كنت تشكُّ في البعث، فلا تنتبه، فكما أنَّك تنتبهُ بعد نومك، فكذلك تُبعثُ بعد موتك"(5).
* وبعد اليقظة؟
إذا ردَّت روحُ الإنسانِ إليه، واستيقظ من جديد، وفُسِحَ في أجله مُجدَّداً، فينبغي عليه أن يسجد مباشرةً، فور انتباهه، ليكون أوَّلُ عملٍ عمله، طاعةً لله تبارك وتعالى ثمَّ يقول: "الحمد لله الذي أحياني بعد موتي، إنَّ ربِّي لغفورٌ شكور"(6).
ـ وروي أنَّه يستحب، عند الاستيقاظ، أن يقول: "الحمد لله الذي أحيانا، بعدما أماتنا، وإليه النشور"(7).
ـ وعن الباقر عليه السلام قال: "ما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وآله من نوم، إلاَّ خرَّ لله ساجداً"(8).
ـ كذلك يستحب عند الاستيقاظ، تلاوةُ الآيات المباركاتِ من سورة آل عمران، من الآية التسعين بعد المائة، إلى الآية الرابعة والتسعين بعد المائة.
ففي صحيحة معاوية بن وهب: أنَّ النبي صلى الله عليه وآله كان إذا استيقظ جلس، ثم قلَّب بصره في السَّماء، ثم تلا هذه الآيات المباركات(9). وعن الإمام علي عليه السلام قال: "إذا قام أحدُكُمْ من اللَّيل، فلينظر إلى أكناف السَّماء، وليقرأ هذه الآيات: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأِولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ (آل عمران: 190 194)(5 و10). وبذلك نرى أنَّ الرجوع إلى الحياة من جديد، بعد الموتة الصغرى، له آدابٌ خاصةٌ به، تشير جميعها إلى الخضوعِ والخشوعِ والتفكُّر والإنابة.
* قيامُ اللَّيلِ سُنَّةٌ
فاعلم يا أخي المؤمن السالكَ إلى الله تبارك وتعالى أنَّ التهجد وقيامَ اللَّيل، أدبٌ من آداب عباد الله المقربين، دأبوا عليه منذ آلافِ السنين ، حيث كانوا يقومون في اللَّيل، مناجين سائلين ساجدين عابدين، عندما تغفُلُ العيونُ، وتهدأُ الجوارحُ. وشاء الله تبارك وتعالى، أن يصبحَ قيامُ اللَّيلِ سُنَّةً، وميزةً لأهل التقوى والسلوك الرباني. قال عزَّ من قائل: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (الذاريات: 15-19). وقال تبارك وتعالى، في سورة السجدة المباركة: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (السجدة: 16 17).
كيف يتيسَّر قيام اللَّيل
ويتيسَّر قيام اللَّيل بأن لا نُكْثِرَ من الطعام عند العشاء قبلَ النوم، فـ"لا تُميتوا القلوبَ بكثرة الطعامِ والشراب، فإنَّ القلب يموت كالزرع إذا كَثُر عليه الماء"(10). وفي تنبيه الخواطر عن مولانا عيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه السلام: "يا بني إسرائيل، لا تُكثروا الأكل، فإنَّه مَنْ أكثرَ الأكلَ، أكثرَ النومَ، ومن أكثر النومَ أقلَّ الصلاة، ومن أقلَّ الصلاةَ كُتب من الغافلين"(11). وكان بعض السالكين يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر المريدين، لا تأكلوا كثيراً، فتشربوا كثيراً، فتخسروا عند الموت كثيراً(12). ولا يرتكب الحرام، ولا يحتطِبَ الأوزار، فإنَّها من أدعى الأسباب المؤدية إلى حرمان قيام اللَّيل والتهجد... فالذُّنوب تقسي القلبَ، وتؤدِّي إلى تخلف أسباب الرحمة، بينما الخيرُ يؤدِّي إلى الخير، والشرُّ يدعو إلى الشر. ويُروى أنَّ رجلاً جاء أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: إنِّي حُرمتُ الصلاة باللَّيل، فقال له : "قد قيَّدتك ذنوبُك"(13). وعن الصَّادق عليه السلام قال: "إنَّ الرجلَ يُذنبُ الذنبَ فيُحرمُ صلاة اللَّيل، وإنَّ العمل السَّيئ أسرعُ في صاحبه من السكين في اللحم"(14). ويُستحب لقائم اللَّيل أن يقوم لفوره بعد الاستيقاظ مباشرةً .
(1) راجع سورة يونس، الآية: 67.
(2) راجع سورة النمل، الآية: 86.
(3) راجع سورة غافر، الآية: 61.
(4) المحجة، ج2، ص372.
(5) المحجة، ج2، ص372.
(6) مكارم الأخلاق، ص39.
(7) المحجة، ج7، ص372.
(8) مكارم الأخلاق، ص39.
(9) المحجة، ج2، ص368.
(5) و(10) بحار الأنوار، المجلسي، ج10، ص103.
(10) ميزان الحكمة، ح589.
(11) ميزان الحكمة، ح590.
(12) المحجة، ج2، ص390.
(13) ميزان الحكمة، ح10645.
(14) المصدر نفسه، ح10467.