د. سامر شري
في الدعاء المأثور عن أهل العصمة عليهم السلام، ورد تعريف خاص بالحسين بن علي عليه السلام لم يسبق أن خُلع على أحد من عالي الصفات بمثل ما خلع على الحسين، وفيه: "السلام عليك يا قتيل الله"(1). الملفت في الكلمات الخمس أن هذا القتيل في أرض كربلاء قد أضيف إلى الاسم المقدس الجامع لكافة الأسماء الإلهية. هذه الإضافة، لم تحصل لمطلق موجود خلقه الله في العوالم كلها بما يُعرف وما لا يُعرف. كيف صار هذا القتيل مضافاً إلى الله ولماذا؟! قد يكون الفهم ممكناً إذا نظرنا إلى خصوصيات الحسين عليه السلام.
* خامس أهل البيت
من مميزات الحسين عليه السلام، أنه خامس أهل البيت الذين أذهب الله الرجس عنهم وطهرهم تطهيراً، وهو آخر معصومٍ من أهل الكساء، وذريته من أئمة آل البيت معصومة.
* دفاع عن الدين
أنه مقتول بالسيف، وفي أرض المعركة تصحيحاً لدين الله ودفاعاً وذوداً عنه.
* فداء عن إسماعيل
أن الله نشر علَمَه في الأجيال الغابرة، وكنّى بفدائه منذ قضية إبراهيم الحساسة جداً مع ابنه إسماعيل عليهما السلام، فختم الله سبحانه القضية بحلّ تأجيل الفدية العظيمة إلى آلاف السنين القادمة، قائلاً: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم﴾ (الصافات: 107). والكبش بحسب الأحاديث هو الحسين عليه السلام. بمعنى أن قبول الحسين فداء نفسه عن إسماعيل، أمضى الإمامة لإبراهيم، وأمضى سلامة إسماعيل.
* فداء أهل البيت
أنه كان فداء أهل البيت أجمعين، وربما لذلك وغيره كان أهل البيت شديدي البكاء عليه، ومعظمين لأمره، وحريصين على نشر قضيته، لأنهم سلام الله عليهم يعلمون أنه كان مخيراً في تولي أعظم وأخطر وأغرب عملية جهادية عرفها التاريخ بلحاظ مفرداتها وطبيعة أحداثها وأشخاصها.
* حفظ القرآن الكريم
أن شكل الفداء ومضمونه، تمّ بعد سلسلة من النوائب التي هجمت على قلب الحسين عليه السلام، مما شاهده من أفعال أهل السلطة بحق دين المصطفى. فالانحراف يؤذي أهل الطهر حكماً، لطبيعة تركيبتهم، فتعظم المصيبة في أفئدتهم، وهم يرون أن الحق صار باطلاً وأن الباطل صار حقاً، بمعنى أن الفداء كان هدفه حفظ الحق من أن يندرس، والدين المعرض للدرس هو دين جده الذي عاينه وعاش في كنفه، فإن خبا دين جده، غارت نضارة القرآن، وذهب معناه بتعطيله. وبلحاظ أن القرآن متعلق بالنبوة والإمامة، فذهاب الأول يَذهب بالثاني وبالثالث، فماذا يبقى من القرآن ذا فائدة!!؟
* قرابين إلى الله
أن الحسين قدّم كل ما عنده من عزيز في سبيل قضيته. ففي كربلاء، عناصر جهادية مميزة، بلغت بهم التقوى وحب الحق أو حب أهل البيت وكراهة الباطل والظلم، أن قدموا أنفسهم قرابين إلى الله ورسوله مستشهدين بين يدي صاحب راية الحق، على شرط أن يقبل الحسين عليه السلام بكل قربان يريد أن يقدم نفسه فداءاً معه، فهو عليه السلام جواز الصراط إلى الجنة فوراً، لأن قضيته محض حق. وفي القضية الكربلائية، مجموعة نسائية، تمثل أغلى ما ترك. هن عرضه وكرامته وحوض الشرف المسؤول عن حفظه، ومع هذا خرج بهن إلى عرصات الموت، وهو يعلم أنهن سيتعرضن لأفظع أنواع المهانة والهتك والتشريد والسبي، ومع هذا قبل بالمشيئة أن تُمضى، لأنه يعرف أن مهر الإسلام جوهرة الأديان، هو الأغلى.
* دماء نزلت صعوداً
أن أيدي الجور وقساة القلب امتدت إلى فم الحسين فمنعت عنه الماء الذي أباحه الله زلالاً حتى للعتاة وأهل المعاصي والكفر والزندقة، ومن ثم قطعوا لحمه بأسيافهم، ورموه بنبلهم، حتى جاء السهم المثلث فأصاب القلب الحسيني الذي هو محل الاسم الأعظم المحجوب مقامه الأسنى والأشرف عن جبرائيل وكافة الأنبياء قلب رجل قال الله تعالى عنه: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ (النور 36 – 37). من هنا تعرف حجم الجريمة، خصوصاً أن الدم النازف من القلب الأحمدي لم تسقط منه قطرة دم واحدة إلى الأرض. عجيبة الحسين هذه تخرق القانون الطبيعي، فمنذ أن وطئ الإنسان الأرض إلى أواخر قيام الساعة، كان الدم المهدور يسقط نزولاً إلا الدم الحسيني فإنه نزل صعوداً. فاق طهر قلب الحسين قدرة الأرض على أن تحمل دمه، فتلقفته الجنة. لهذا قال صادق أهل البيت عليهم السلام في الدعاء كما روي عنه: "أشهد أن دمك سكن في الخلد"(2). إن كان الدم محله الجنة، فأين حلّت روح الذبيحة الإلهية!!؟
إن الذبيحة الحسينية أشبه بتلك اللوحة الفنية التي لا رسم فيها ولا ألوان، وكل الخلق مشدود اليها.
(1) العلامة الحلّي، منتهى الطلب، ج2، ص892.
(2) الكافي، الكليني، ج4، ص576.