نهى عبد الله
لاح سناه من الأفق البعيد، من بين أستار ظلمة الليل الحالكة، مبدداً العتمة بنور جبينه. اخترق ذلك الظلام الثقيل، ووصل إلى هناك... زفر جواده بأدب وخضوع: "ها قد وصلنا سيدي".
نزل عن صهوته، وأجال بصره بحنان وشوق بين مكدسات التلال الرملية السوداء... هالات نور متناثرة على رمال صحراء مقفرة... بدت الأرض غريبة حينها، كسماء رصعت بنجوم ملكوتية.. ثلاث ليال متتالية، باتت تلك النجوم هناك. جال بينها بشغف، واقترب منها، بدأ بالتقاطها نوراً نوراً، ونجماً نجماً، بحنان ورفق بالغَيْن كأنه يحمل قلبه بين يديه، وضمها في عمق الأرض، في مواضع خاصة، انتخبت لأنجم سماء. بدأ يرصِّع الأرض بها، ويتلو عليها اسم خالقها، ويرسل سلامه إليها، وصلواته عليها، ويُشهد الأرض أنه استودعها فيها. أنهى المراسم وحيداً، يراقبها هناك، حيث أصبح مثواها عنواناً لكل لقاء...
أدار ظهره، واتجه إلى حيث أتى، ونور جبينه يشقّ الظلام أمامه.. طرفة عين، ورفع جبينه من سجدةِ طويلة، وإذا بعَمَّته المخَدَّرة العقيلة: سلامٌ أيها السجّاد، أَدَفَنْتَ الأجساد؟