السيد علي عباس الموسوي
للعدل الإلهيّ مظاهره الجليّة والواضحة والبيّنة في هذه الدنيا. يعتبر أهل الاعتبار من الناس بالأحداث التي تجري أمام أنظارهم، ويرون هلاك الظلمة، بدءاً من فرعون الذي كان يقتّل الأبناء، ويستحيي النساء في عصور ما قبل الميلاد، إلى سائر الظلمة على مرّ التاريخ، ويرون الانتقام الإلهيّ كيف ينزل بهؤلاء، ليحطِّم كلَّ كبريائهم، ويجعلهم أذلاء معذَّبين في الدنيا قبل الآخرة.
عندما يستعرض الإنسان شريط الأحداث في تاريخ الإنسانيّة، وما عانت فيه البشريّة من مآسٍ ومظالم، لا سيما في تاريخ الإسلام، والظلم الذي لحق بأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، يرى أنّ ما يعيشه هو سلسلة متكرّرة في معركةٍ مستمرّةٍ بين الحق والباطل، بين الظالم والمظلوم، بين المستبد والمضطهد. قد يتغير الظلمة بالأسماء والألقاب والصفات وأساليب الظلم، ولكنّ المسار واحد في الجميع، والظلم واحد من الجميع، والمصير واحد للجميع. تتجلّى حالات الظلم والطغيان في عصرنا بدول مستبدّة ظالمة تهيمن على العالم كلّه، تتعدّى في ظلمها الأمم والشعوب، تعتدي على مقدَّسات الناس وكراماتهم، لا تبالي بالقتل والظلم بأوهى الحجج، تتصرّف تصرفاً فرعونياً، تدّعي الوصاية على الكون كله، لها من الحق ما ليس لغيرها، فتنطق قولاً وفعلاً بكلمة الكفر الفرعونيّة: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ (القصص، 38). وكما وجد فرعون وكل ظالم أعواناً له يمدونه بالعون في ظلمه، تجد هذه الدول أعواناً للظلمة، تسخّرهم أدوات ينفِّذون إرادتها، بل يزيدون في ظلم الناس لإظهار الطاعة والولاء لها. وفي المقابل، ثلّة مؤمنة صابرة محتسبة، تقاوم ظلم الظالمين، يجتمع الناس عليها، يتكالبون على محاربتها، يجمعون الأحزاب، ويحيكون المؤامرات سعياً منهم لهلاكها، ولكنّها تقف بثبات، ترى الحق إلى جانبها كالشمس في رابعة النهار، لا تأخذها في الله لومة لائم، وتتميز وكما وصفها القرآن بالتالي:
1- العمل بالتكليف: فوضوح الحقّ لديها، وأنّه إلى جانبها، يجعلها في سعي دؤوب ومستمر على أداء تكليفها، والقيام به على أحسن وجه، تنظر إلى نتائج عملها بعين الثقة، لا تتردّد ولا تضعف، تجعل من طاعة الله ورسوله وأولي الأمر كلّ همّها، وهذا هو حالها الذي تثبت عليه.
2- الصبر: تدرك هذه الثلّة المؤمنة أنّ نيلها ما تريد من انتصار الحقّ على الباطل يتوقّف على الصبر، وأنّها لن تناله إلا ببذل كلِّ ما لديها، وبتحمّل الشدائد، وهي تدرك أنّ في كلِّ ما يصيبها تقديراً إلهيّاً، عليها أن تتقبَّله وتعيش حالة التسليم أمامه، وأنّها تُؤجر على ذلك كله، مقاماً ودرجةً عند الله، وأنّ باب وصولها لغاياتها يتمثّل بصبرها وثباتها على الحقّ.
3- الحاكمية الإلهية: تؤمن هذه الثلة المؤمنة بأنّ الحاكمية لله وحده، وأنّ الإرادة الإلهية سوف تنتصر لها في النهاية، وأن ما يكتبه الله لها في النهاية هو ما فيه الخير لها، نصراً كان أو شهادة. إنّ هذه الفئة المؤمنة تقتدي في ذلك بنبيّها العظيم فيما أمره الله بقوله: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾ (يونس، 109). وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.