نهى عبدالله
شابَّان صديقان تنبأ لهما (عرّاف) بأن حياتهما ستنتهي بعد عشر سنوات يوم 29 شباط، على سطح مركب أو طائرة.
الأول: التزم منزله وابتعد عن الطرق البحرية والجوية، وقرر مزاولة عمله من منزله، وشيئاً فشيئاً فقد اهتمامه بكل شيء، فلم يعمل ولم يتزوج ولم ينجب، وأصبحت أيامه يشبه بعضها بعضاً، إلى درجة أنه نسي التاريخ الموعود.
الثاني: قرر الاستفادة القصوى من سنواته العشر، درس وعمل باجتهاد، سافر عدة مرات في البحر والجو... حقق نجاحات كبيرة، وألّف أسرة صغيرة، وسعد بحياته إلى درجة أنه نسي التاريخ الموعود أيضاً.
بعد مرور عشر سنوات، يوم 28 شباط، تلقّى كل منهما رسالة من صديق ثالث، يدعوهما للقائه، في أحد موانئ المدينة. والموعد: غداً آخر النهار.. قررا الذهاب في غفلة تامّة عن التاريخ... والتقيا بعد طول غياب، وكل منهما تحمل ملامحه كيف قضى سنواته العشر، بدا الأول شاحباً تعيساً مفلساً، في حين شعّت علامات النجاح والثقة من الثاني.. حينها تذكّرا (العرّاف)... قاطعهما صوت استغاثة طفل يكاد يقع من مركب قريب مثبت بالميناء، هبّ الثاني لإنقاذه مسرعاً، في حين ظنّ الأول أنه سيموت إن وطئت قدماه المركب... وبدأ قرص الشمس ينذرهما، حين اكتسحت حمرة الغروب رحاب الأفق، لحظات ودقائق طويلة بدت أطول من الدهر، بادر الثاني إلى سؤال صديقه: لِمَ لم تساعد الطفل؟ أخشيتَ الموت؟ وبمَ تختلف عن الأموات؟ وبدأ بسرد ما حققه هو خلال سنواته تلك..
غابت الشمس تماماً ولم يحصل شيء.. تغيرت ملامحهما حين أدركا التاريخ: الأول من آذار، وموعد انتهاء حياتهما لن يأتي... ربما ليس مهماً أن نكتشف أقدارنا، سواء أنبأنا بها صادق أم كاذب، بل المهم أن نعلم كيف ننتظر هذا القدر، وماذا سنحقق خلال رحلة الانتظار تلك؛ لأن ما نسعى إليه في الحقيقة هو الإنسان داخلنا الذي يتكامل خلال فرصة الحياة، طالت أم قصُرت... هكذا ننتظر القدر.