السلام عليكِ يا بنت رسول الله يا فاطمة المعصومة صلوات الله عليكِ وعلى آبائكِ الطيبين الطاهرين المطهرين (1). أعزائي، إنّ قضية الشهادة قضية عميقة ومهمة جداً. ولو أردنا عرض قضية الشهادة وأهميتها في جملة واحدة لقلنا إن الاعتقاد بالشهادة والإيمان بعظمة الشهداء يمثّل بالنسبة لأيّ شعب البعد المعنوي لشخصيّة ذلك الشّعب وهويته.
كما أنّ هذه القضيّة تحمل إجابات عن بعض الأسئلة التي تستدعي التنبّه لأهميّة الشهادة مثل: كيف يمكن لشعب أن يُعرف بالعظمة في أعين شعوب العالم؟ وكيف يمكن للشعب بدل أن يتأثر بشتى العوامل السياسية في العالم أن يترك تأثيره في جميع الأحداث في العالم؟ كيف يمكن للشعب بلوغ هذه المكانة؟ كيف يمكن لشعب من دون أن تتوفر له المعدات والأدوات العسكرية المعقدة، ومن دون أن تكون لديه إمكانيات إعلامية واسعة أن يؤثر في العالم وبين الشعوب بحيث تنجذب الشعوب إليه؟
* الإيثار في سبيل الله
حينما يتقبّل شعب بجميع أبنائه، وشبابه، وآبائه، وأمّهاته الإيثار في سبيل الله، والتّضحية بالنّفس في سبيل الهدف الإلهي ويؤمن به، فسوف يكتسب عمقاً هائلاً من العظمة. ومن الطبيعي أن يكون هذا الشعب مقتدراً، وقوياً، ومتفوقاً من دون أن يكون له سلاح ومن دون أن يمتلك ثروة نقديّة مميّزة. حينما يكون الشعب الذي لا قوة له من الناحية الجسميّة والماديّة متسلّحاً بالإيمان بالله، ومقتنعاً بأنّه إذا ضحّى في سبيل الله فسوف لن يخسر شيئاً، بل سيكسب، فسوف يتحلّى بقوّة لا يمكن لأحد حيازتها.
* النصر ينبع من التضحية والإيمان
في معركة بدر، كان أعداء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أضعاف المسلمين من حيث العدد والعدّة والأسلحة والإمكانيات المادية، لكن المسلمين انتصروا، لماذا؟ لأن النّصر ليس بالقوة والسواعد، النصر ليس بالسيف ولا بالاقتدار الظاهر ولا بالإمكانيات المادية والسلاح النووي، إنما ينبع من الإيمان بالشهادة والإيثار والاعتقاد بأن الإنسان حينما يضحّي إنما يتاجر ويتعامل مع الله تعالى. الوعد الإلهي وعدٌ حق. وشهداؤنا يقفون في الصفّ الأول ومعهم المضحّون من المعاقين.. هؤلاء هم روّادنا والسبّاقون في جبهة الحق. ويأتي في الصف الثاني عوائل الشهداء: آباؤهم وأمهاتهم وأبناؤهم وزوجاتهم، الذين صبروا وتحملوا هذا الحدث المرّ في ظاهره. فقدان الأحبّة أمر مرّ وصعب.
* التجارة مع الله
الأب والأم يكدّان ويجهدان ويسقيان هذه الباقة من الورود وهذه الغرسة العزيزة المباركة بدماء قلوبهم ويعملون على تنميتها وتنشئتها ثم يأتون بأجساد أبنائهم من جبهة القتال.. هذا شيء صعب وليس سهلاً. وقد تقبّل آباء الشهداء وأمهاتهم وزوجاتهم وأبناؤهم هذا الحدث المرير بأذرع مفتوحة وأثبتوا أنهم يؤمنون بالتجارة مع الله. لقد زرت أمهات شهداء كنّ يقلن بجدّ وصدق لو كان لنا عشرة أبناء لكنّا على استعداد لتقديمهم في سبيل الله، ولم يكنّ يكذبن. التقيت بأمّهات وآباء كانوا يشعرون بالعزّة والفخر لأنهم قدّموا أبناءهم شهداء في سبيل الله.. إنهم على صواب.. إنّها عزّة وفخر.
وكما قالت عمّتنا زينب الكبرى عليها السلام: "ما رأيت إلا جميلاً". ليست واقعة كربلاء بالشيء البسيط. هذه العين الناظرة إلى الله تشاهد حقيقة جميلة من تلك الواقعة ومن تلك الدماء المسفوحة ومن تلك المصيبة الجسيمة "ما رأيت إلا جميلاً". هذا ما يمنح الشعب الاقتدار، وهو ما يوجد الثقة بالنفس لديه. هؤلاء هم الذين لا ترعب قلوبَهم تهديدات القوى الماديّة في العالم والعربدات الثملة للحكومات المعتدية والمستكبرة. عوائل الشهداء واقفة صامدة بفعل الاقتدار المعنوي والقوة التي تشعر بها بفضل الإيمان بالله، ولذا، ينبغي تعزيز هذا الإيمان.
ربّنا بمحمد وآل محمد اجعلنا ممن يعرفون قدر الشهداء. اجعلنا ممن يعرفون قدر المضحين. اللهم افتح علينا دوماً طريق الإيمان بك والنقاء والنور الذي مهّده لنا الشهداء.اللهم أرض عنّا القلب المقدس لإمامنا المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(*) كلمة للإمام الخامنئي دام ظله ألقاها في حرم السيدة المعصومة في قم المقدسة في 20/ 10/ 2010م
(1) 1 ذو القعدة ذكرى ولادة السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام