السيد علي عباس الموسوي
الإيمان حقيقة تختصُّ بالإنسان وحده، فلا يمكن لأحدٍ من الناس أن يعرف حقيقة ما يؤمن به الآخر، ولا أن يطَّلع على ما في قلبه، ولكن هذه الحقيقة المخفيّة عن الآخرين تمتاز بخصوصيّتين:
الأولى: أنها لا يمكن أن تفرض فرضاً، فلا إكراه على إلزام الآخر بتبنّي اعتقاد ما أو نظريّة ما، بل هو أمر خاضع للاختيار الإنساني بكلّ ما للكلمة من معنى، فالآخرون عاجزون مهما فعلوا وبأي وسيلة تمسكوا عن إلزام الإنسان بتبني إيمان محدد.
الثانية: أنها أساس سلوك الإنسان في هذه الدنيا، في حركاته وسكناته ومواقفه التي يتّخذها، فالاعتقاد القلبي والإيمان هو الذي يجعل الإنسان يختار مواقفه ويتشبث بها ويدافع عنها وغير ذلك. وهذا الإيمان على درجات وكلما ازدادت درجة إيمان الإنسان ازدادت تضحياته في سبيل إيمانه، حتى لا تعود هذه الدنيا بكل ما فيها من نعم شيئاً في ناظريه، يستحقرها ويضحي بها لأجل أن يحفظ ما يراه أغلى ما يملكه، أي الإيمان.
وعندما يختار الإنسان خط الإيمان، ويعقد قلبه على الاعتقاد بالله عز وجل وبما أنزل من عنده، فإنه لا بد وأن يمر بمرحلة اختبار يوزن فيها درجة إيمانه وقوة اعتقاده وقدرته على التضحية والبذل في سبيل هذا الإيمان، وقضت الحكمة الإلهية أن تختلف درجات الاختبار بحسب درجة الإيمان التي يعيشها الإنسان فمن الناس من يختبر الله إيمانه بنقص المال، أو فقد الولد، أو جار السوء أو الولد العاق أو غير ذلك. وكلما مرّ الإنسان باختبار من عند الله لدرجة الإيمان فاستطاع أن يتجاوزه بنجاح وأن يوفّق في إثبات صدق إيمانه كلما ارتقى بهذا الإيمان درجة، إلى أن يصل إلى أعلى درجاته، وهي التسليم التام وهذا هو لسان إبراهيم عليه السلام عندما جاءه الاختبار الإلهي بذبح ولده، فما هان وما لان، بل سار بقدم راسخة وشحذ سكّينه وأسلم هو ولده لله وتأهل بهذا التسليم وبقوة الإيمان هذه لينال منصب الإمامة.
والله عز وجل وبرحمته الواسعة عندما يجعل الإنسان في ساحة الاختبار لا يهمله ولا يتركه، بل يمد له العون ويرفده بما يجعله أقوى في إيمانه وبما يعينه على اجتياز تلك المرحلة الاختبارية. فعندما يعلم الله عز وجل من عبده حسن النية والصدق والإخلاص لا يتركه وحده، بل يمدّه بالعون الإلهي، وهذا ما حدثنا التاريخ عنه في محطّات من حياة المسلمين الأوائل الذين مرّوا باختبارات اجتازوها بالإيمان الذي كانوا يملكون والذي أهّلهم لكي يكونوا محلّاً لعناية الله ورحمته الخاصة بالربط على قلوبهم، بما يؤدي إلى انتصارهم على عدوهم، وهكذا حال الفتية الذين آمنوا بربهم، فلجؤوا إلى الكهف فراراً بإيمانهم فزادهم الله هدىً وربط على قلوبهم، وكذلك حال فتيةٍ آمنوا بربهم في مواجهة عدوهم في عصرنا هذا فامتلكوا إيماناً راسخاً وخضعوا للاختبار في إيمانهم هذا بحرب كحرب الأحزاب وربط الله على قلوبهم فاجتازوا ذلك بأحسن ما يكون فكانوا مصداقاً لقول الله تعالى: ﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ (الكهف: 13ـ 14).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين