عند أطراف تلك البلدة الهادئة صرختُ صرختي الأولى..
فيها فتحتُ عينَي بصري وبصيرتي لأرى جنة الأرض المزدانة بالخضرة...
حيث قطرات الندى كحبيبات لؤلؤٍ من عقدٍ منفرطٍ على كل ورقةٍ حبّة...
تحرسها وتعدها خيوطُ الشمس المنسلّة إليها من بين غيوم الربيع المتخفية خجلاً من قدوم عريس الفصول...
كيف لي أن أصف الربيع وجماله وهيبته وجلاله وأنا الذي ما تعودت وصفه للآخرين؛ لأنني كنت أجد نفسي عند كل بداية له أول المستقبلين؟
أما أنا الآن فلست كما كنت...
أنا الآن أعيش ألم الربيع...
فمنذ تركت الضيعة مولياً وجهي شطر بيروت، أشعلت الحرقة مفاصل مشاعري..
وحوّلت كل انغماسي في أديم الأرض إلى صلبٍ وإسمنتٍ وحديد..
وغدوت عدوّ حواسي..
فلم أعد أرى ما كنت أرى ولا بصري يسامحني على ما فعلت به..
أما سمعي فراح يؤرقني ويؤنّبني ويحرمني لذة النوم؛ لأنه لم يعتد على بوق السيارة عن زغردة العصافير بديلاً...
تحول الربيع إلى ألمٍ يسامر بدني وروحي يؤنبني ويقول:
إن للمدينة أهلها إن تركناها.. لكن من للضيعة التي تُركت؟
أحمد مرتضى