مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصة "ربيع"

ندى بنجك

 



.. يهدر النبض في قلبها كالموج، ويرتعش جسدها من شدّة الاضطراب والخوف، وتكاد تغمض عينيها، هي لا تريد أن ترى، وتتمنّى في هذه اللحظة أن لا تعرف. الطبيبة "دلال" بالقرب منها، تفهم أحاسيسها بدقّة، فهي طبيبتها في بناتها الأربعة، وتدرك أن "زهرة" لم تحمل هذه المرّة إلا متأمّلة في أن يرزقها الله بولد. لهذا تحاول الطبيبة أن ترشّ من حولها ابتسامات تسكت روعها، وتأتي بالحلم. لم تتأكد بعد، لكنّها أحسّت، يبقى عليها الآن أن تتأمّل في تفاصيل الصورة، لكي تعرف إن كان جنين "زهرة" صبياً، أم بنتاً. هنيهات، وأشرقت عيناها بخبر ستقيم له زهرة مهرجاناً من فرح "مبروك يا زهرة، ألف مبروك، معك صبي".

وتحطّ العصافير على ضفاف قلبها، ويصير النبض تغاريد، والأيام تتوق إلى سباق حتى تبلغ شهرها التاسع، فتلد "ربيع". لقد انتظرته سبع سنوات بعد البنت الرابعة، وأخيراً سيدخل اللون الأزرق بين الأثواب الزهر التي كثرت. والى ذلك اليوم ستعدّ "زهرة" الأيام والساعات، وترتقب أحلى المواعيد بفارغ الصبر. أصبحت في الشهر السابع، وغداً ستنزل إلى محلات جهاز الأطفال لتتنزّه روحها بين القطع الصغيرة الخاصة بالمواليد الصبيان. لكن ليلاً أقبل عليها ما لم يكن في الحسبان.. استفاقت على وجع غريب، واستغرب "حسن" الزوج، وانتفض من نومه، ليس الأوان للولادة! حَمَلها مسرعاً إلى أقرب مستشفى، واتصل بطبيبتها، فكان لا بدّ من إجراء صورة للاطمئنان على الولد.

تلك الليلة كانت ذات شتاء، والغيم المتثاقل في السماء، كان أكثر احتداماً في صبيحة "زهرة"، وقت علمت أن نبض الطفل بطيء. هذا ما أبلغته الطبيبة للوالدين اللذين هاجر من وجهيهما كل ذاك الفرح، وانسكبت دموع مخنوقة في قلبيهما والعيون. مرّت أسابيع قاسية ومرّة، كثرت فيها الآراء الطبية والاستشارات، والحال واحد. من الناحية الطبية، الطفل نبضه بطيء، مما يبعث القلق، في أن يكمل حتى الشهر التاسع، وهو إن ولد فمن المتوقّع أن يعاني من بعض مشاكل. ومن الناحية الشرعية، أجمعت الفتاوى على أنه إن كان الجنين ما زال فيه رمق حياة، فلا يجوز إسقاطه.

رحلت العصافير التي حطت عند قلب "زهرة" وصمتت التغاريد، وتلاشت الصور الحبيبة التي كانت تنتظر أن تعيشها. احتلّ الألم الحزين كل جارحة. الحلم الذي كاد أن يزهر سرعان ما انتهى. أضحت دموعها لا تجفّ على طفل يتمسّك بنبضها كي يحيا، لكنّ الحياة مصير عصيب، كتبت له من قبل أن يولد. لم تستطع أن تتمنّى موته في جوفها ولا لحظة، ولم تقدر على تحمّل رؤيته في مشكلة ما، إذا رحلت عيناها إلى وجهه مع أول نظرة. كلّ الخيارات مرّة، ولا مجال سوى التوكّل على الله، والرضى بمشيئته كما فعلت واستسلمت.

إنه الأسبوع الأوّل من الشهر التاسع، طلع الصبح على "زهرة" وهي على سرير الولادة في المستشفى. الكل في الخارج في غير حال، وهي غارقة في البنج العمومي. ساعة ونصف، ويسمع الجميع صراخ الطفل... هذا جرس الباب يرنّ، فتنتبه "زهرة" وتمسح دموعها التي تتساقط من عينيها إلى وجهه. تضمّه إلى قلبها، وتمرّر يدها على شعره الأشقر، وتطبع قبلة ناعمة فوق عينيه الخضراوتين وهو غافٍ في حضنها. إنّه "ربيع"، الذي ضجّت به المستشفى قبل عام، وتحيَّر الأطباء في ولادته سليماً معافى.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع