مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

في رحاب بقية الله: وتمتّعه فيها طويلاً..

السيد عباس علي الموسوي

 



بشوقٍ ولهفةٍ يتساءل المؤمنون كم هي المدّة الّتي يقضيها الإمام المهدي عجل الله فرجه في الحكم، فهم يعيشون، يتوارثون الانتظار منذ المئات من السّنين، يترقّبون خروج المهدي عجل الله فرجه ويحلمون بحُكم يعمّ العالم يسود فيه العدل وتنتشر فيه الفضيلة ويُقضى على كل انحراف أو فساد أو رذيلة. يخوض المهدي عجل الله فرجه معركة صعبة وقاسية مع أمم وشعوب تعيش الظلم والقهر ومع أنظمة وحكومات تعيش البُعد عن الله وأحكامه وتعاليمه وما جاءت به رسله. وبعد الانتظار والانتظار يتولّى المهدي عجل الله فرجه الحكم باعتباره وريث الأنبياء ومحقّق أحلامهم. يتولّى الحكم لينفّذ إرادة الله في الأرض فيملؤها قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً. ويحكم عجل الله فرجه بإرادة الله وأمره، وهنا يحضر السؤال: كم هي مدة حكمه؟ وكم هي مدة العدل والرخاء والرفاه التي سوف تنعم بها البشريّة في ظل حكمه المبارك؟

* هل هو غيبٌ محجوب؟
لا يمكن للعقول بمفردها أن تحصل على الجواب على نحو القطع واليقين، بل لا بُدّ لها من أن تستعين بما ورد عن المعصومين عليهم السلام لأن الحديث عن مدة حكم الإمام غيب محجوب ومستقبل مجهول. أضف إلى أنَّ ما ورد في مدّة حكم الإمام المهدي عجل الله فرجه مختلف جداً وتعدَّدت لذلك سنوات حكم الإمام فالمقلّ سبع سنوات والمكثر ثلاثمائة وتسع سنوات عدد ما لبث أهل الكهف في كهفهم وما بين الرقمين أرقام. وقبل الحديث عن مدّة ملك المهدي عجل الله فرجه أُلفت النظر إلى أن الاختلاف فيما يُنقل عن المعصومين عليهم السلام لم يكن منهم إذ لا يناقض كلامُ المعصوم كلامَ معصوم مثله؛ لأن العصمة تعطي عين الحقيقة التي لا إشكال فيها. فمن هنا إذا تراءى لنا الاختلاف في كلام المعصومين فلا بُدّ من أن يكون فيما ينقله عنهم الرواة وما آفة الأخبار إلا رواتها فالكذب أو الخطأ يكمن فيمن يروي عن المعصوم وقد حذّر النبي صلى الله عليه وآله من الكذب عليه وقال كما هو مروي عنه: "من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار"(1). وقد حذر الأئمة عليهم السلام أيضاً من الكذب عليهم.

* أرجح الأقوال في مقدار حكم الإمام عجل الله فرجه
قلنا إنّ الرّوايات في مدّة حكم المهدي عجل الله فرجه اختلفت على أرقام ومدد من الزمن متعددة، وهنا نتساءل: هل يمكن الجمع بينها وأن نقبلها جميعاً؟ يظهر من بعضهم أنه يذهب إلى ذلك ويرتضيه فيقول: إنّ هذه الروايات تتحدّث عن فترات من حكم الإمام بداية الانتصار بداية الانتشار بداية الاستقرار الاستقرار الرفاه وانتشار الإسلام وتعميمه على الأرض كلها، وهكذا النتيجة تكون لصالح القول إنّ المهدي عجل الله فرجه يمتد حكمه لمدة ثلاثمائة وتسع سنين لأنها هي أطول الفترات المذكورة في الأحاديث. وقد جمع المجلسي رحمه الله في بحاره نحواً من هذا الجمع حيث قال: الأخبار المختلفة في أيام ملكه عجل الله فرجه بعضها محمول على جميع مدة ملكه وبعضها على زمان استقرار دولته وبعضها على حساب ما عندنا من السنين والشهور وبعضها على سنيّه وشهوره الطويلة والله يعلم (2).

ونرجّح أن مدّة حكم المهدي عجل الله فرجه هي ثلاثمائة سنة وتسع سنوات ويدلّ على ذلك الروايات: ففي الحديث الصحيح كما في غيبة الشيخ وينقله صاحب البحار عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر عليه السلام الإمام الباقر: "إن القائم يملك ثلاثمائة وتسع سنين كما لبث أهل الكهف في كهفهم، يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويفتح الله له شرق الأرض وغربها، ويقتل الناس حتّى لا يبقى إلا دين محمد صلى الله عليه وآله يسير بسيرة سليمان بن داود.."(3). ويؤيّد هذه الرّواية ما ورد عنه أيضاً حيث يُقسِم قائلاً: "والله ليملكنّ رجلٌ من أهل البيت بعد موته ثلاثمائة سنة وثلاث عشر سنة ويزداد تسعاً.." (4).

بيان: والمراد بقوله بعد موته هنا يعني بعد خمودَ ذِكرِه وغيبتَه الطويلة، ولا عَجَب أن يعيش المهدي عجل الله فرجه في حُكمِه هذه المدّة فقد غاب كما نرى هذه الغيبة الطويلة التي امتدّت مئات السنين… إنّ هناك أموراً يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار تساعد على فرضيّة أن يحكم المهدي عجل الله فرجه هذه المدّة الطويلة ولا يقتصر في حكمه على غيرها من المُدد القصيرة وهذه الاعتبارات هي:

أ- إنّ الإمام المهدي عجل الله فرجه الذي يشكّل وجوده ودولته تتويجاً لجهود الأنبياء جميعاً من أوّل الدّنيا. هذا الإمام الذي ادّخره الله هذه المدّة الطّويلة والعمر المديد، من المستبعد أن تختصر مدّة حكمه ببضع سنوات، بل لا بُدّ بنظر العقل أن يمتدّ حكمه ويطول…

ب- إن الإمام المهدي عجل الله فرجه على يديه سيتمّ نشر العدل وإقامة القسط وهو الذي، أيضاً، سيقوم بفتح البلدان ابتداءً من مكة وانتهاءً بأقصى نقطة في أطراف الأرض يسكنها أحد من البشر… كم يا ترى سيتطلب هذا من وقت؟ إنّ بلوغ البشريّة مرحلة الرّشد العقلي وتثقيف الناس يحتاج إلى وقت طويل تموت فيه أجيال وتنشأ أجيال جديدة لا عهد لها بالكفر والانحراف وكل ألوان الرّذيلة والعصيان. وإنّ مجتمعاً صافياً إيمانيّاً وعقيديّاً وسلوكيّاً يحتاج بلوغه تلك المرتبة إلى عقود من الزمن.. فكيف يقضي المهدي عجل الله فرجه كل ذلك في سنوات معدودة؟ إنّ منطق الحقائق ومقتضيات المهام الجسام المنوطة بالمهدي عجل الله فرجه تفرض عقوداً من الزمن دون السّنوات المعدودات التي لا ينجز فيها إلا القليل….

ج- نحن نعرف أنّ مراحل العمر الطبيعية تأخذ في كلّ مرحلة منها عدداً من السنين تتناسب ومدة هذا العمر؛ فالطفولة لها مدّة زمنية والشباب له فترة زمنيّة وهكذا الكهولة والشيخوخة. والإمام المهدي عجل الله فرجه الذي عاش مئات السنين وظهر وهو في سنّ الأربعين فكم يا ترى سيعيش من السنين ليبلغ الستين أو السبعين؟ لذا، فمن طبيعة الأمور بمقتضى ما تقدّم أن يعيش المهدي عجل الله فرجه بعد ظهوره وهو في سن الأربعين مئات السنين.

د- إن الإمام المهدي عجل الله فرجه يمتلك خبرة طبية واسعة نتيجة معرفته بخواص الأطعمة، وما ينفع البدن ويضره، ويحفظ سلامته أو سقمه، لذا فهو يستطيع بخبرته الواسعة أن يعيش طويلاً طويلاً بإذن الله ومشيئته…من المؤيدات للحياة الطّويلة للإمام المهدي عجل الله فرجه، ما ورد من أدعية مستحبة ومنها الدعاء له "اللهم كن لوليّك الحجة ابن الحسن في هذه السّاعة وفي كل ساعة وليّاً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتّعه فيها طويلاً" فإن تمتّع المهدي الطويل لا يكون ببضع سنوات، بل بمئات السنين والله العالم.


(1) وسائل الشيعة، الحرّ العاملي، ج 1، ص 15.
(2) بحار الأنوار، المجلسي، ج 52، ص 280.
(3) الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 474.
(4) الاختصاص، الشيخ المفيد، ص357.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع