السيّد علي عباس الموسوي
في خطاب الله عزَّ وجل المنزَّل على نبيِّه المرسل صلى الله عليه وآله تكرّرت الدعوة للتفكير والحثّ على التعمّق في الأمور، وعدم التعجّل في الحكم وعلى التأنّي بداعي النظر والتفكير. وهذا الخطاب الإلهي أريد منه تأهيل هذا الإنسان لأجل السعي لتطوير نفسه بما يسمح له بأن يصل إلى الحقائق التي تُحيط به وأن يستفيد ممّا سخره الله عز وجل له في هذه الأرض.
وهذه الدعوة كما تحثّ الإنسان على النظر فيما يجري حوله في هذا الكون من أحداث فإنَّها تحثّه على النظر في أفعاله وسلوكه وما يصدر عنه. ومن هنا شملت دعوة الإسلام هذه كلَّ فعلٍ يقوم به الإنسان، حتَّى تلك الأفعال التي أمره الله عزّ وجل بها، من الصلاة والصوم والحجِّ وغيرها، فإنّ الوصول إلى الثمرة المرجوَّة من تشريعها لا يكون إلا من خلال تجاوز الصورة الظاهريّة لها للدخول إلى باطنها وحقيقتها. ونقطة البدء في هذا هي النظر إلى حقيقة هذه الحياة الدنيا، وأنَّها ليست هي الحياة التي خُلق لأجلها الإنسان، بل من ورائها حياة أخرى هي الحياة الحقيقيّة، فمن ينظر إلى الدنيا وينسى الآخرة لم ينل سوى ظاهراً من الحياة الدنيا، وهو عاجز عن معرفة حقيقة الحياة الدنيا، فضلاً عن معرفته بالآخرة، لأنَّه في غفلةٍ تامّةٍ عنها.
ومظاهر هذه النظرة إلى الظاهر تملأ مجتمعاتنا؛ فتجد الناس وفي كثيرٍ من الأمور يستعجلون الحكم عليها دون رويّة ونظر. فتجد على مستوى الشباب من يتَّبع عادات الغرب دون أن ينظر فيما تحمله هذه العادات من دلالات سلبيّة ليست ذات ارتباط بعقيدته، بل لعلّها تتنافى معها، ولذا تجد الكثير من الشباب لا يدركون دلالات ما هو مدوَّن على ما يرتديه من ثيابٍ مستوردةٍ من الغرب لغزو مجتمعاتنا. وتجد على مستوى الأهل من لا يرى في مستقبل أبنائه إلا تأمين حياتهم المادية، وبقدر نجاحه في تأمين نجاحهم في هذه الحياة الدنيا يعيش الطمأنينة، ولكنّه لا ينظر إلى ما يضمن لهم الحياة المعنويّة التي هي ضمانة الفوز الأخرويّ.
وتجد أنّ الصداقات والعلاقات القائمة بين الناس تقوم على أساس المنافع والمصالح، ولا تتجاوز هذا الظاهر إلى تلك العلاقة التي تقوم على الأخوة الإنسانية أو على المصالح الأخرويّة. كما تجد كيف أنّ العداوات والاختلافات بين الناس تنشأ من النظر إلى ظاهر الأمور، وعدم التريّث في النظر إلى ما يرمي إليه الآخرون أو في الظروف التي تحيط بهم. وكذلك تجد من الناس من ينخدع بالشعارات البراقة التي يُتقن الغرب صنعها؛ لأنّه لا يرى منها سوى ظاهرها، ولا يتجاوز هذا الظاهر إلى معرفة ما تخفيه خلفها من خبث وسوء نية. من هنا نشعر بضرورة أن يعيش المجتمع حالةً من الوعي بما يحيط به، لكي يتمكَّن من أن يؤدِّي الواجب الملقى على عاتقه في أداء الأمانة الإلهيّة التي حملها هذا الإنسان. وطريق ذلك أن يسلك الإنسان سبيل التفكير في حقيقة الأمور وأن يتجنَّب الحكم على ظواهر الأمور لئلا يكون مصداقاً لقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ (الروم:7). وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.