مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

نور روح الله: المعنويّات مصدر السعادة(*)


إنّ إحدى القضايا التي تحظى بالأولويّة هي قضيّة القيم المعنويّة. وفي هذا المقام، لا بدّ لنا من نشر هذه القيم المعنويّة ودعوة الناس إلى الأخلاق، وإلى آداب الثقافة الإسلاميّة. وإنّ شعوبنا على استعداد تامّ -ولله الحمد- للسير في هذا الطريق، وقد خطت حتّى الآن خطوات مهمّة في هذا المجال. غير أنّ الطريق طويلة، فطريق القيم المعنويّة من الطرق التي ينبغي للإنسان مواصلة السعي فيها طوال حياته.

•الأكواخ مصدر السعادة لا القصور
ربّما يتصوّر كثيرون أنّ الرخاء الماديّ وامتلاك الثروة يوفّران السعادة للإنسان. وقد يتراءى لإنسان أنّ السعادة تتمثّل في امتلاك عدد من الضياع، والأراضي، والأرصدة في البنوك وفي التجارة، ولكنّهم مخطئون. إذا ما أردنا أن نتأمّل في واقع الحياة، نرى أنّ السعداء هم أولئك الذين عاشوا في الأكواخ. أمّا هؤلاء الذين يقبعون في القصور، فإنّهم يفتقرون إلى السعادة. إنّ البركات التي انطلقت من الأكواخ لا تعرفها القصور أبداً. فقد كان لدينا كوخ في صدر الإسلام يضمّ أربعة أو خمسة أشخاص، إنّه كوخ فاطمة الزهراء عليها السلام. كان هذا الكوخ أكثر تواضعاً من غيره، ولكنّ بركاته ملأت العالم بأسره. إنّ سَكَنة هذا الكوخ المتواضع كانوا على درجة من المعنويّات لا ترقى إليها حتّى يد الملكوتيّين. وفي الجانب التربويّ، عمّت بركاتهم بلاد المسلمين بأسرها... وإذا ما تجاوزنا هذه المعنويّات، وتأمّلنا في الإنجازات الفكريّة والعلميّة كلّها؛ من إبداعات، واختراعات، واكتشافات، فلا أعتقد أنّكم ستجدون من بين سَكَنة القصور من نجح في تحقيق ذلك! وطبعاً، نعني بسَكَنة القصور المهتمّين بالفسق والفجور، والمُنْصاعين للدنيا، والمنشغلين بالمال والمنصب والمقام. فأصحاب الاختراعات والمؤلّفات القيّمة ممّن أثّروا في المجتمع بإبداعاتهم ونتاجاتهم، كانوا من سَكَنة الأكواخ. ولا يخفى أنّ أجواء القصور (بمفهوم أصحاب الفسق والفجور) تتعارض مع التربية الصحيحة، ومع الجِدّ، والمثابرة، والإبداع. وإذا ما بحثتم عن الناجحين منهم، فستجدونهم قليلين جدّاً؛ لأنّ معظم المبدعين والعباقرة هم من سَكَنة الأكواخ.

•معظم فقهائنا من سَكَنة الأكواخ
إنّنا عندما نتأمّل أحياناً في المستويات التي بلغها فقهنا وفلسفتنا على صعيد مذهبنا، نجد أنّ الرجال الذين أثّروا في هذا الفقه وهذه الفلسفة، لم يكونوا من سَكَنة القصور، وإنّما كانوا من سَكَنة الأكواخ. فالشيخ الطوسي(1) مثلاً، والذي كان شعلة من الإبداع، ومن أكثر الرجال قيمة في المجتمع الشيعيّ، لم يكن من سَكَنة القصور، فلو كان يقيم في القصور، لما استطاع أن يثري المجتمع بهذه المؤلّفات كلّها وبهؤلاء التلاميذ.

•لنبذ أخلاق سَكَنة القصور
لا بدّ لنا من السعي لتخليص الشعوب من أخلاق سَكَنة القصور.
فالقصور -في حدِّ ذاتها- لا ضير فيها، وإنّما المشكلة تكمن في أخلاق‏ أصحابها. فالذي لا يفكّر في غير مراتع الدوابّ ليس بوسعه أن يكون آدميّاً، والذي ينصبّ كلّ اهتمامه على الثروة والشهوة لا يمكن أن يكون مفيداً. فعندما تشيع أخلاق الجشع، والاحتكار، والسرقة، والنصب، والاحتيال، فإنّها ستقود إلى الانحطاط الأخلاقيّ. ومعظم هذه المفاسد الأخلاقيّة تنتقل من الطبقة المرفّهة إلى الآخرين.

•الفقر وخدمة الآخرين
إنّ سلاطين الجَور -الذين كانوا جميعهم تقريباً من سَكَنة القصور- لا يستطيعون أن يفكّروا في الشعب، ولا أن يشعروا بمعنى الفقر، أو يدركوا معنى فقدان المأوى. وهم -في تلك الحالة- لا يستطيعون أن يفكّروا في الجياع والفقراء، بينما الذين تجرّعوا مرارة الفقر وأحسّوا بها، هم وحدهم الذين يعملون على خدمة الفقراء والمحرومين.

•الاهتمام بالفقراء والمحرومين‏
إنّي آمل من أصحاب الثروة مساعدة الفقراء والمحتاجين. فلا يتصوّروا أنّ سعادتهم تكمن في هذه الثروة. فاللذّة ليست بما يملك الإنسان، وإنّما هي إحساس داخل هذا الإنسان لا يتحقّق إلّا بالتوجّه إلى الله، والثقة بالله.

كما وإنّي آمل أن لا نحتاج إلى مثل هذه الدعوة، وأن يبادر الناس من تلقاء أنفسهم، ويحرصوا على خدمة الفقراء والمحرومين، وتوفير مستلزمات حياة حرة كريمة لهم تغنيهم عن الفقر والعوز.

•حافظوا على التوجّه إلى الله
يجب على أبناء الشعوب أن يولوا اهتماماً للمعنويّات لكي يبقى النظام الإسلاميّ محفوظاً. ولكن، إذا جاء اليوم الذي تسيطر فيه بهارج الدنيا على اهتمامات أبناء الشعوب، ووجد الشيطان طريقه إلينا، وأخذ يتحكّم بنا ويوجّهنا، ففي ذلك اليوم تستطيع القوى العظمى التأثير فينا وتقود بلادنا إلى التيه والضياع.


(*) الخطاب‏: تاريخ 1 فروردين 1362هـ.ش/ 6 جمادى الآخرة 1403هـ.ق‏، المناسبة: عيد النيروز.
1.محمد بن الحسن الطوسي، من كبار فقهاء الشيعة والذي اشتهر بشيخ الطائفة. توفي أواسط القرن الخامس الهجري في مدينة النجف الأشرف بالعراق.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع