المحامي إبراهيم عواضة
إن كافة الأنظمة والتشريعات الدولية تكلّمت عن جرائم المخدرات بصفة عامة, باختلاف أنواعها وأشكالها وأساليبها وخطورتها، ونصّت على الأحكام الجزائية والتشريعات القانونية بما فيها قانون العقوبات اللبناني. وأشارت المادة 2 من القانون رقم 673 الصادر في 16/3/1998على معنى عبارة "مخدرات" التي يُقصد بها جميع النباتات والمواد الطبيعية والمركبة والمنتجات الموضوعة تحت المراقبة والخاضعة لتدابير رقابية بموجب أحكام هذا القانون.
* تعريف المخدرات
هي مادة مميتة، تفتك بالنفس والجسد، تضرب المجتمعات بقسوة فتمزقها، وتدمر القيم الإنسانية والأخلاقية، وتُحوِّل المدمن عليها إلى مكتئب ومريض، يفعل المحرمات، ويتخلى عن كل التقاليد والقيم الإنسانية من أجل متعةٍ عابرة، تُخلف وراءها انهياراً شبه كاملٍ للقوى العقلية والنفسية، وتشلّ الطموح، وتحدّ من عمل العقل.
* المخدرات في القانون اللبناني
والنصوص القانونية تجرّم تعاطي المخدرات. وهذا التجريم جاء على الشكل التالي:
أولاً: في تجريم تعاطي المخدرات
ينص قانون المخدرات رقم 673/98 في المادة 127 على معاقبة من يحوز أو يحرز أو يشتري كمية ضئيلة من مادة شديدة الخطورة بدون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكانت ضآلتها تسمح باعتبارها مخصصة للاستهلاك الشخصي. فالمدمن على هذه المادة الذي لم يذعن لإجراءات العلاج المنصوص عليها في هذا القانون يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من مليونين إلى خمسة ملايين ليرة لبنانية. وإن المادة 130 من القانون عينه مع مراعاة المادة 94 من هذا القانون تنص على معاقبة من يحوز أو يحرز أو يشتري كمية ضئيلة من مادة خطرة بدون وصفة طبية وبقصد التعاطي، وكذلك المدمن على هذه المادة الذي لم يذعن لإجراءات العلاج بالحبس من شهرين إلى سنتين وبالغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية. فالقانون اللبناني جرّم من يتعاطى المخدرات بالحبس بالإضافة إلى تغريمه مبلغاً من المال.
ثانياً: التدابير الوقائية والعلاجية
إن مكافحة الإدمان على تعاطي المخدرات تكون من خلال المعالجة التي تتم بداية في إزالة التسمم الإدماني والارتهان الجسماني لعادة التعاطي وتتم في مصحات متخصصة. أما العلاج والتخلص من الارتهان النفسي لعادة التعاطي فيتم في عيادات نفسية اجتماعية معتمدة من وزارة الصحة العامة.
* طريق العودة إلى الحياة الطبيعية
بعد ذلك تجري مساعدة المدمن على العودة إلى الحياة الطبيعية وإعادة تأهيله للاندماج في المجتمع ويتم هذا في مؤسسات رعاية أو لدى أشخاص معتمدين من وزارة الشؤون الاجتماعية.
أ العلاج التلقائي قبل المحاكمة:
وفقاً للقانون، يحق لكل مدمن على المخدرات قبل إجراء أي ملاحقة بحقه أن يتقدم تلقائياً أمام لجنة مكافحة الإدمان على المخدرات بطلب إخضاعه لتدابير العلاج الجسماني والنفساني من "مرض التعاطي"، ويوقع تعهداً بذلك ويكون له في هذه الحالة الحق بإخفاء هويته إلا عن أشخاص ملزمين بسر المهنة، و"عدم ملاحقته" إذا تابع العلاج واستمر فيه حتى استحصاله على شهادة تثبت شفاءه التام من التسمم الإدماني والاعتياد الجسماني وتخلّصه من الارتهان النفسي لعادة التعاطي.
ب العلاج الإجباري:
وفقاً للقانون يحق للوالدين والوصي والولي وأحد الزوجين أن يطلب من لجنة مكافحة الإدمان إيداع الابن أو الابنة القاصَرين أو المُولَّى عليهم أو الزوج الذي يشكو من إدمانه على تعاطي المخدرات أحد المصحّات للعلاج، على أن يبلّغ الأمر إلى النيابة العامة التي تجري تحقيقاً في الأمر ويكون لها إحالة المدمن على لجنة مكافحة الإدمان لإرغامه على العلاج قبل البتّ بموضوع الملاحقة.
ج العلاج أثناء التحقيق والمحاكمة والحكم:
للنيابة العامة في حال توقيف شخص بجرم تعاطي المخدرات أن تحيله بموافقته إلى لجنة مكافحة الإدمان كي يخضع للعلاج وفقاً للإجراءات. وللمدمن أثناء التحقيق والمحاكمة أن يطلب إخضاعه للعلاج فيقرر المرجع القضائي العالقة لديه القضية وقف السير بالإجراءات وإحالته أمام لجنة مكافحة الإدمان التي تودعه أحد المصحّات للسير في تدابير علاجه. وفي حال ثابر المدمن على العلاج واستحصل على شهادة تثبت شفاءه بناء على تقارير إدارة المصح والطبيب النفساني، يُبلغ ذلك إلى المرجع القضائي الواضع يده على القضية فيقرر وقف الملاحقات نهائياً عنه. أما إذا انقطع المدمن عن متابعة العلاج أو تمنع عنه فيبلغ الأمر إلى المرجع القضائي لاستئناف ملاحقته ومحاكمته من النقطة التي توقف عندها. وللأسف فإن التطبيق العملي لذلك لا يتم كما يجب، فهناك إخلال بما نص عليه القانون.
* متعاطي المخدرات مجرم أم مريض؟
إن القانون اللبناني يتميز عن غيره من الدول بأنه يقوم بتجريم المتعاطي وملاحقته كما يفعل مع الاتجار. فالمتعاطي في القانون اللبناني يعاقبَ ويلاحقَ من قبل القضاء المختص، وبالتالي يكون الشخص الذي يتعاطى المخدرات مجرماً بنظر القانون. القانون اللبناني يعامل المتعاطي كمجرم كونه نص على معاقبة كل شخص يتعاطى المخدرات. ولكنه من ناحية أخرى ينتقل إلى معاملته من خانة المجرمين إلى خانة المرضى وذلك في حال إقدام المتعاطي على العلاج للتخلص من الإدمان. فهنا يتعاطى القانون اللبناني معه كمريض وليس كمجرم.
* المخدرات في كل مكان
يجب أن ينتبه المواطن إلى أن المخدرات أصبحت منتشرة بشكل كبير في مجتمعنا وذلك في المقاهي والمدارس والجامعات بين الشبان والشابات. فيجب أخذ الحذر من هذا الموضوع. ويجب على جميع الأهالي الكرام الانتباه إلى أولادهم ومراقبتهم. وفي مطلق الأحوال فإن التشريعات القانونية تحدّ من تفاقم ظاهرة المخدرات، وربما تؤدي إلى القضاء عليها. وهناك دعامة أساس أخرى إلى جانب التشريعات هي المكافحة الأمنية، التي تتمثل بالأجهزة الأمنية المكلفة بالقيام بالمكافحة الأمنية للمخدرات في مختلف جوانبها، إلا أنها في مجملها تقوم على وجود إدارة عامة للمكافحة منسقة مع عدد من أجهزة الدولة ومنها وزارة الدفاع (حرس الحدود) ووزارة المالية (مصلحة الجمارك)، ووزارة الصحة ووزارة الشؤون الاجتماعية (إدارة الدفاع الاجتماعي والهيئات الأهلية المتعاونة معها) بالإضافة إلى سائر أجهزة الشرطة وبالإضافة أيضاً إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية ( الانتربول). لذا فإن مكافحة المخدرات تقوم على المكافحة الأمنية والاتفاقيات الإقليمية والدولية بالإضافة إلى الدعامة القانونية.
* طريق الإدمان يبدأ بجلسة
في الختام عزيزي القارئ لا يسعنا سوى القول إن كل إدمان يبدأ بولع وينتهي بألم أياً كانت المادة المدمن عليها. المخدرات خطر يهدد الأسرة وعدو شرس يتربص بنا. إنها آفة مدمرة تفقد الشباب طاقته المثمرة... الكثير من الشباب كان بإمكانهم أن يصبحوا شموعاً "مضيئة" في المجتمع لكنهم وقعوا في براثن الإدمان. وبالتالي نناشد شباب الحاضر والمستقبل أن يكونوا حذرين كون التعاطي كما ذكرنا يبدأ بحبة واحدة فقط أو شمّة للتجربة أو حقنة، سيعطونك الأولى هدية ويستدرجونك باسم الصداقة والحرص على مصلحتك للسقوط في الهاوية والوقوع في مصيدة المخدرات فالتدخين بدون وعي خطوة نحو عالم الإدمان، والرفقة السيئة هي أقصر الطرق للدخول إلى عالم المخدرات. واحذر من تناول حبة أو دواء لا تعرف مصدره أو بغير وصفة طبية. إياك أن تتهاون فطريق الألف ميل يبدأ بخطوة وطريق الإدمان يبدأ بحبة. تمسك بدينك وحافظ على صلاتك فهي حصن المسلم وصمَّام أمان له. وتذكر أن المخدرات آفة من آفات المجتمع من وقع فيها من الصعوبة أن يخرج منها.