لقاء مع سماحة الشيخ نعيم قاسم
حوار: ضياء أبو طعّام
منذ عهدٍ بعيدٍ أخذ حزب الله على عاتقه مسؤوليّة تحقيق هدفين، هما: المشاركة في صنع القرار السياسيّ في البلاد، وتقديم الخدمات للناس. وانطلاقاً من الهدف الثاني، ما هي الرؤية الدينيّة التي تنطلق منها المقاومة في خدمة الناس؟ وما هو واقع المؤسّسات الخدماتيّة؟ وما التحديات التي تواجه مشروع الخدمات حالياً؟ يجيبنا سماحة الشيخ نعيم قاسم عن هذه الأسئلة في هذا الحوار.
* خدمة الناس هدفٌ أخلاقيّ
ـ ما هو منطلق حزب الله في خدمة الناس؟
خدمة الناس جزءٌ لا يتجزّأ من ديننا وإيماننا، وعندما يقول تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ* فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (الماعون: 1-3)، يتبيّن لنا أنّ مدّ اليد إلى المحتاج واليتيم، وخدمة الناس عموماً، من العوامل التي تؤشّر إلى صحّة إيمان الإنسان بيوم القيامة من عدمها. وكذلك الآية الكريمة ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ (المعارج: 24-25)، تبيّن أنّ المطلوب من الإنسان، ليس الحقوق الشرعيّة فحسب، بل أيضاً ما يمكنه أن يساعد به الناس ويخدمهم، وتحديداً الفقراء والمساكين.
نحن نعتبر أنفسنا في حزب الله معنيّين بأن نطبّق التعاليم والآداب في ما يخصّ خدمة الناس.
ـ لماذا لا يكتفي حزب الله بخدمة الناس عن طريق المقاومة فقط، أي حمايتهم من العدوان الإسرائيليّ والتكفيريّ دون النظر إلى الخدمات الأخرى التي هي في الأصل مسؤوليّة الدولة؟
لا يمكن أن تقود الناس وتمثّلهم وتخدمهم من جانب واحد من جوانب اهتمام حياتهم. يجب أن ترعى الاهتمامات المختلفة التي تعنيهم، سواء من ناحية الأمن، أو مواجهة العدوّ، أو الخدمات الاجتماعيّة، أو الموقف السياسيّ. وهذا ما استفدناه نحن من مشروع النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، فالنبيّ جاء كرسولٍ ليبلّغ رسالة الله تعالى، ولكنّه صلى الله عليه وآله وسلم، مضافاً إلى نشر الدين في حياة الناس حَفِظ أمنهم أوّلاً، ثمّ نظّم بيت مال المسلمين، ورعى التجارة، والصناعة، والزراعة.. فإذاً، بما أنّ حزب الله آثر أن يجسّد التجربة الإسلاميّة، فقد تصدّى للمقاومة ولموضوع الخدمات في آنٍ معاً، على قاعدة أنّ المسؤوليّة شاملة.
ـ هل أدخلت هذه الخدمات حزب الله إلى السياسة، أم أنّ دخوله المعترك السياسيّ دفع حزب الله نحو العمل الاجتماعيّ؟
لم يسلك حزب الله طريق الخدمات بنيّة الاستقطاب، إنّما سلك طريق الخدمات بنيّة الواجب والمسؤوليّة. وبالتالي، عندما نوزّع خدماتنا، فإنّنا لا نتوقّع أجراً ومكافأةً من الناس؛ لأنّ مسؤوليّتنا الشرعيّة تحتّم علينا أن نقدّمها لهم قربةً إلى الله تعالى، إنّها مسألة عقائديّة، قائمة على الإيمان بالتضحية والشهادة في سبيل الله.
* واقع مؤسّسات حزب الله الخدماتيّة
ـ ما هي أولى المؤسّسات الخدماتيّة التي أسّسها حزب الله؟
أوّل مؤسّسة خدماتيّة أبصرت النور كانت مؤسّسة الشهيد، تزامن ذلك مع تأسيس الحزب سنة 1982م، وما رافقه من ارتقاء الشهداء. وهي مؤسسة ترعى عوائل الشهداء بكلّ ما يحتاجون إليه، على الصعيد الصحّيّ، والتربويّ، والسكن، وكذلك إرشاد الأولاد وتوجيههم.
ثمّ توسّعت دائرة المؤسّسات سنة 1985م؛ لتشمل الهيئة الصحيّة الإسلاميّة التي عُنيت بالمستوصفات، وبعض المستشفيات، كذلك بتأمين الأدوية، ونقل المرضى أو المصابين بسيّارات إسعاف، ثمّ مؤسّسة "جهاد البناء" التي عُنيت بالموضوع الزراعيّ، وتدريب المزارعين، وتأمين مياه الشفة في الضاحية، وترميم وإعادة بناء ما هدّمته الاعتداءات الصهيونيّة. وفي عام 1987م، تأسّست مؤسّسة الإمداد، التي ترعى العوائل المستضعفة، والمعوزين والأيتام.
بعد عدوان تمّوز 2006م، تأسّست شركة "وعد"، كنسخة متطوّرة من "جهاد البناء" تناسب حجم العدوان وآثاره، لناحية الترميم والبناء.
ولا يخفى الأثر الإيجابيّ لوجود هذه المؤسّسات، كحصانة للبيئة الداخليّة المؤيّدة للحزب، بل تُشعر المجاهدين والمقاتلين بالأمان الاجتماعيّ لعوائلهم وبيئتهم.
ـ هل يعتمد حزب الله معياراً أو أولويّات معيّنة في تقديم الخدمات للناس، كأن ينظر إلى أبناء الشهداء أوّلاً، ثمّ الفقراء، وهكذا..؟
لقد عالج حزب الله هذه المشكلة بتحديده الجهات المعنيّة بهذه الخدمات. فمؤسسة الشهيد مثلاً، تهتمّ بالمسائل المتعلّقة بعوائل الشهداء فقط. أمّا جمعيّة إمداد الإمام الخميني قدس سره، فتهتمّ بالعوائل الفقيرة، لناحية الطعام، والمدارس، والخدمات الصحيّة.
إذاً، لدينا جهات متعدّدة مختصّة، وكلّ جهة تقوم بوظيفتها، ولها أولويّاتها، وموازنتها، وخصوصيّتها. كما ويحرص حزب الله أن تشمل خدماته الناس كافّة، من خلال مستوصفات الهيئة الصحيّة مثلاً، التي يستفيد منها الناس كلّهم على حدّ سواء.
ـ كيف تصدّى حزب الله بعد عدوان تمّوز 2006م، وما خلّفه من دمار وخراب، لإعادة بناء ما تهدّم، دون انتظار أحد؟
هنا يحضرني أن أذكر لكم أنّه في اليوم السابع للعدوان، كان هناك اجتماع للشورى، وكان من بين القرارات التي اتّخذت: إنّنا يجب أن نبدأ بجمع الأموال من تلك اللحظة، فيما لا يزال العدوان في بدايته، لكي نعيد بناء ما تهدّم، وقد تمّ الجمع. وفور انتهاء العدوان، أصدر الحزب قراراً بإعطاء مساعدات إيواء للمنكوبين. ولا بدّ هنا من التأكيد على أنّه لا يمكن أن يُكتب للعمل المقاوم النجاح والاستمرار إلّا إذا رافقه تكافل اجتماعيّ، ومساعدات للناس الذين تكبّدوا خسائر ماديّة ومعنويّة أيضاً. وإعلان سماحة الأمين العام (حفظه الله) حول هذا الموضوع كان واضحاً حينما قال: "سنعيدها أجمل ممّا كانت".
* التحدّيات والصعوبات
ـ بدأ الناس ينظرون إلى الحزب كأنّه بديلٌ عن الدولة ومؤسّساتها، لجهة الخدمات. فهل بات حزب الله يتحمّل عبئاً أكبر من قدرته؟
إنّ حجم المشاكل الاجتماعيّة في لبنان كبير جدّاً، خاصّةً في منطقة البقاع (بعلبك - الهرمل)، التي تعاني من الفقر والحرمان، ونقصٍ في الخدمات. على الرغم من ذلك، حاول الحزب أن يسدّ هذه الثغرة بقدر استطاعته، ونحن دائماً نقول للناس: "لسنا بديلاً عن الدولة". وبما أنّنا نحن الأقرب إليهم، فمن الطبيعيّ أن يرفعوا صرختهم أمامنا، ويحمّلونا المسؤوليّة ويلجأوا إلينا.
ولكن يجب تأكيد أنّ للحزب قدرة محدّدة، ونحن نعمل على أساسها، ثمّ نضغط على الدولة، من خلال نوّابنا، ووزرائنا، وبلديّاتنا، ولولا هذه الضغوطات، لما كان بالإمكان أن تتحسّن الخدمات في بعض المناطق.
ـ في ظلّ هذا الوضع الاقتصاديّ والاجتماعيّ المتردّي، هل تنصحون الناس باللجوء إلى الدولة أوّلاً، للمطالبة بحقوقهم، ومن ثمّ اللجوء إلى حزب الله، أم العكس؟
ثمّة أمورٌ نستطيع تقديمها كحزب، وأمورٌ أخرى لا. وما يجب أن أؤكّد عليه هو أنّ المسؤوليّة في خدمة الناس بشكل عامّ، هي مسؤوليّة الدولة التي عليها واجبات تجاه المواطنين، تماماً كما تحصّل حقوقها منهم.
لذلك أقول: إنّ لكلّ مواطن، سواء في قريةٍ ما أو مدينة، أن يُقدّر بنفسه كيف يمكن له أن يحصل على الخدمة التي يريدها. وفي كثير من الحالات، سوف يجدون أنّ التواصل مع الجهات المعنيّة بالشأن الاجتماعي في حزب الله هو أسهل بكثير من أيّ أحد آخر. فعلى الأقل، يستطيعون حينها الوصول إلى نتيجة سلبيّة أو إيجابيّة.
أقول للناس: اعلموا تماماً أنّنا حريصون على أفضل خدمة لكم، لكنّها ليست مسؤوليّتنا وحدنا، بل الدولة تتحمّل الجزء الأكبر منها.
فعندما تطلبون شيئاً منها، نحن سنكون شركاءكم في الطلب، وسنقف إلى جانبكم، وندعمكم. فحزب الله، ليس بديلاً عن الدولة، في حضورها، أو في غيابها، ولن يأخذ مكانها أصلاً، لا الآن، ولا في المستقبل. والمطلوب -إذاً- أن تقوم الدولة بواجباتها تجاه مواطنيها، وأن نسعى جميعاً لتفعيل مؤسّساتها لمصلحة الناس. أمّا ما نقوم به في حزب الله فهو بإملاء قيمنا وديننا وعقيدتنا ورسالتنا في هذا العالم.