اعلم أنَّ خدع النفس الأمارة بالسوء وخدع شيطان النفس
والمحيط كثيرة. فما أكثر ما يبتعد الإنسان عن الله باسم الله واسم الخدمة لخلق الله،
وينساق نحو نفسه وآمالها! لذا كانت مراقبة النفس ومحاسبتها في تشخيص طريق الأنانية
عن طريق الله من جملة منازل السالكين، وفّقنا الله وإيّاكم لبلوغ ذلك.
* وساوس شيطان النفس
وما أكثر ما يخدعنا شيطان النفس نحن الشيوخ وأنتم الشبّان بوسائل مختلفة؛ فهو دائم
الملاحقة لنا، يواجهنا نحن الشيوخ باليأس من الحاضر، فينادي: لقد فاتكم العمر،
وتصرّم وقت الإصلاح ومضت أيّام الشباب التي كان ممكناً فيها الاستعداد والإصلاح،
ولا قدر لكم في أيام ضعف الشيخوخة هذه على الإصلاح، فقد استحكمت جذور شجرة الأهواء
والمعاصي في جميع أركان وجودكم وتشعّبت فروعها، فأبعدتكم عن اللياقة بمحضره جلّ
وعلا، وضاع كلّ شيء! فما أحرى أن تستفيدوا من هذه الأيام الباقية من أعماركم أقصى
ما تمكن الاستفادة، وهكذا.
انتبهوا.. أيُّها الشباب!
وقد يتصرف الشيطان معنا أحياناً بنفس الطريقة التي يتصرف بها معكم أيها الشبان، فهو
يقول لكم: أنتم شبان، ووقت الشباب هذا هو وقت التمتع والحصول على اللذات، فاسعَوا
الآن إلى ما يساهم في إشباع شهواتكم، ثم توبوا إن شاء الله في أواخر أعماركم، فإن
باب رحمة الله مفتوح والله أرحم الراحمين. وكلما زادت ذنوبكم، فإن الندم والرغبة في
الرجوع إلى الحق سيزدادان، وسيكون التوجه إلى الله تعالى أكبر والاتصال به جلّ وعلا
أشدّ، فما أكثر أولئك الذين تمتعوا في شبابهم، ثم أمضَوا آخر أيامهم بالعبادة
والذكر والدعاء وزيارة مراقد الأئمة عليهم السلام والتوسل بشفاعتهم، فرحلوا عن هذه
الدنيا وهم سعداء! تماماً، هكذا يتصرف معنا نحن الشيوخ، فيأتينا بأمثال هذه الوساوس
فيقول لنا: ليس معلوماً أن تموتوا بهذه السرعة، فالفرصة ما زالت موجودة، فلْتؤجّلوا
التوبة إلى آخر العمر، فضلاً عن أن باب شفاعة الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته
عليهم السلام مفتوح، وأن أمير المؤمنين عليه السلام لن يتخلى عن محبيه ويتركهم
يتعذبوا، فسوف ترونه عند الموت، وسوف يأخذ بأيديكم، وأمثال هذه الوساوس الكثيرة
التي يلقي بها في سمع الإنسان.
فلينتبه الشّبان، وليحذروا من الوقوع تحت
تأثير الوساوس النفسانية والشيطانية، فالموت قريب منهم ومن الشيوخ على حدٍّ سواء.
وأيّ من الشبان يستطيع الاطمئنان إلى أنه سيبلغ مرحلة الشيخوخة؟! وأيّ إنسانٍ مَصونٌ
من حوادث الدهر؟! بل قد يكون الشبان أكثر تعرضاً لحوادث الدهر من غيرهم.
* لا تغترّوا بالشفاعة
أيضاً، فإن الأمر سيخرج من أيديهم بمجرد انتقالهم من هذا العالم. والتعويل على
شفاعة أولياء الله عليهم السلام، والتجرؤ على ارتكاب المعاصي من الخدع الشيطانية
الكبرى. وتأمّل أنت، يا من تُعَوّل على شفاعتهم غافلاً عن الله ومتجرئاً على
المعاصي، تأمّل في سيرتهم، وانظر في أنينهم وبكائهم ودعائهم وتحرّقهم وذوبانهم أمام
الله، واعتبر من ذلك. فضلاً عن هذا، فإن الآيات التي وردت في القرآن الكريم
حول الشفاعة لا تبعث بعد التأمل فيها الاطمئنان في الإنسان، قال تعالى:
﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ
إِلاَ بِإِذْنِهِ﴾
(البقرة: 255)، وقال:
﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَ لِمَنِ
ارْتَضَى﴾
(الأنبياء: 28). وأمثال ذلك من الآيات التي تثبت موضوع الشفاعة، ولكنها في
الوقت نفسه لا تبعث الاطمئنان لدى الإنسان ولا تسمح له بالاغترار بها؛ لأنها لم
توضح من هم أولئك الذين ستكون الشفاعة من نصيبهم، أو ما هي شروطها، ومتى تكون شاملة
لهم. نحن نأمل الشفاعة، ولكن ينبغي أن يدفعنا هذا الأمل نحو طاعة الحق تعالى،
لا نحو معصيته.
(1) تفسير الآلوسي، الآلوسي، ج 19، ص 135.