يتحلى كل إنسان من الذين تجمعنا بهم الأيام في رحلة العمر
كأرحام وأقارب وأحباب وأصحاب وأصدقاء وجيران وزملاء، بصفات وميزات وطباع وأفكار
وأساليب وسلوكيات تمثّل شخصيتهم التي يحملون اسمها بين الناس. ومن الطبيعي أن تثمر
علاقتنا بهؤلاء جميعهم من خلال عملية التعايش والتواصل والتفاعل الحاصلة، وجوهاً من
التأثر والتأثير المتبادلة، بحيث لا بد من أن نفيض بما في جعبة أنفسنا عليهم، ولا
بد أيضاً من أن يصلنا شعاعٌ ما تعكسه مرايا أنفسهم في أعيننا.
ومن جانبنا، وانطلاقاً
من أهمية تحصيل الأفضل والأكمل لأنفسنا، فإنه يلزمنا استكشاف ومعرفة وتحديد ما
يمتاز به الآخرون - في الجوانب المعنوية طبعاً -حتى نتلقى ونتعلم ونأخذ منهم قطوفاً
دانية. وهنا علينا أن نكون على يقين من أنه مهما يكن لدينا من صفات ومميزات
وملكات ومؤهلات ومواهب وقدرات، فإنه يبقى ينقصنا الكثير، على قاعدة بحث النفس
المتواصل عن كمالها وسعيها الدؤوب في الوصول إليه. و يجب أن نعلم أن ضالّتنا قد لا
نجدها فقط عند ذوي الشأن وأصحاب المقامات العلمية والاجتماعية، فقد نجدها أيضاً عند
من يقلّ شأنهم في حساب المظاهر الدنيوية. فكلُّ شخص مهما علا شأنه أو قلّ، فإنه
يكتنز من الدفائن جميلها وقبيحها. ومن أصحاب الكنوز والفضائل فلنتلقّف ما
يسرنا ويغنينا: علم، وعبادة، وجهاد،وتضحية، وإيثار، وصبر، وثبات، وشكر، وسعي، وجدّ
وعمل... ولنتلقّف حتى من فَمِ المسكين الذي لا حول له ولا قوة سحرَ بسمة الرضى التي
تنطلق من قلبه إلى شفتيه علامة على دفء الحياة والسعادة.