آية الله مظاهري
قد لا يوجد في الإسلام أجرٌ أعظم من أجر المجاهد في سبيل الله وأجر من يذهب بنيةٍ مخلصةٍ إلى الجبهة. كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيراً ما يرتد هذه العبارة: "فوق كل ذي برّ برّ - حتى يقتل المرء في سبيل الله - فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ".
والله تعالى يقول في كتابه الكريم: ﴿يا أيها الذينَ آمنوا هل أدلّكمْ على تجارةٍ تنجيكم من عذابٍ أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيلِ الله بأموالكم وأنفسكم خيرٌ لكمْ إن كنتم تعلمونَ﴾.
هذه التجارة هي بين العبد والمولى. المشتري فيها هو الحق تعالى والبائع هو العبد، الله يهب المغفرة والجنة وجنات عدن وفي المقابل يشتري أموالكم وأنفسكم.
من القرآن الكريم ومن روايات الأئمة الطاهرين عليهم السلام يستفاد أن لأهل الجنة درجاتٍ متعددة يوم القيامة، أي أن هناك درجاتٍ متعددة وجنات متعددة إحداها جنة العموم، وأهلها يتنعمون فيها بالقصور والأطعمة والأشربة المختلفة والحور العين... وغير ذلك. أهل هذه الجنة هم في نعيم ودعة ورفاه كامل وخاص من مختلف الجهات واللذائذ المادية والمعنوية... ولهم فيها ما تشتهي أنفسهم ولهم فيها صحبةً طيبة.
وفوق هذه الجنة هناك جنةً أخرى وهي جنة عدن حيث القصور الفارهة والمساكن الطيبة. وهناك أيضاً ما هو أعلى من جنة عدن وأفضل منها، هناك أيضاً رضوان الله. وهذه درجات لا تتحمل عقولُ أمثالنا فهمها ولا تقدرُ على إدراكها. فلا نعرف ما هي جنات عدن وما هو رضوان الله، وعلى أي حال فإن الروايات تذكر بصورةٍ عامة أن العبد يصل إلى الدرجة والمقام الذي يصله فيه النداء من رب العزة أن يا عبدي رضيت عنك، وهذه بالنسبة للإنسان لذةٌ ما بعدها لذة. ولكن مع ذلك هناك ما هو أعظم وأعلى درجة من هذه الجنات، هناك جنةُ المجاهد ومكانها "عند الله" فالشهداء عند الله... ﴿بل أحياء عند ربهم يرزقون﴾.
الشيخ الكبير الحر العاملي عليه الرحمة أورد في الباب الأول من الجزء 11 من كتابه الوسائل - الكثير من الأحاديث التي تتحدث عن المجاهد، ومنها تعرف عظمة الثواب والأجر الجزيل الذي أُعدّ للجهاد في سبيل الله. هذا الأجر لا يختص فقط بمن يقتل في الجبهة بل يشمل كلَّ من يفكر بخدمة الإسلام وينتصر لله تعالى بروحه وبماله وأولاده، وكلُّ من يقوم بذلك يصدق عليه وصف المجاهد. القتل في سبيل الله تعالى ليس أمراً هاماً جداً، المهمُ هو نصرة دين الله.
وهنا نذكر كنموذج حديثاً من كتاب الوسائل لنعرف منه أي أجرٍ وثواب للمجاهد وللحضور والمرابطة في ساحة المواجهة.
الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "من خرجَ في سبيل الله مجاهداً، فله بكل خطوة سبعُ مئة ألف حسنة، ويمحى عنه سبعمائة ألف سيئة. ويرفع له سبعمائة ألف درجة، وكان في ضمان الله بأي حتفٍ مات كان شهيداً، وإن رجع رجع مغفوراً له مستجاباً دعاؤهُ". مثل هذا الإنسان إذا استشهد في الجبهة فسوف يكون في ضمان الله، أي أن عناية الله سوف تحيط به. وإذا لم يستشهد ورجع إلى وطنه فسوف تغفر له كل ذنوبه.
ويصل الشهيد بذلك إلى لقاء الله والفناء بالله، واللذة العظمى هنا هي أن الله تعالى ينظر إليه أيضاً، وهذه هي اللذة والنعيم، لذة وصول ولقاء العاشق وبمعشوقه وتلطف واهتمام المعشوق بعاشقه.
ورد في رواية أخرى أنه وعندما ينزل أهلُ الجنةِ في منازلهم، يُذهلون من رؤية "وجه الله"، حتى أن الحور العين تظل سبعمائة عام في حيرةٍ من أمرها بحيث يضطرّون إلى أن يشكين لله تبارك وتعالى أن لا خبر من هؤلاء فالقون في عالم الوحدة.
وهناك الكثير من الروايات الأخرى التي تتحدث عن ثواب المجاهد ومنها يعرف - كما قلنا - سابقاً - بأن أعظم الأجر والثواب والجزاء الحسن هو من نصيب المجاهد في سبيل تعالى...
المجاهد يصل إلى المقام والدرجة التي يصبح فيها مظهراً لجمال وجلال الله تعالى. المجاهدون يضّحون بكل ما لديهم في سبيل الله. وحلاوة المرابطة في الجبهة والمتراس التي يحسُون بها ويتذوّقونها، هذه الحلاوة لا يرف طعمها غيرهم ولا يعرف حلاوة لقاء العاشق بمعشوقه سواهم. المجاهدون هكذا حالهم: في الليل يهجرون المضاجع ويشتغلون بأنسهم الوحيد المناجاة مع محبوبهم.
وبنداء "الله أكبر" يجعلون أجواء الليل الساكن عطرة.
أجل فإن الجبهة تربي مثل هؤلاء.
الجبهة مدرسة وهي مكان "جوار الله" ومنظر "وجه الله".