نهى عبد الله
"السلام عليك يا والدي العزيز، اشتقت إليك كثيراً منذ سفرك الأخير. سأخبرك سريعاً
ببعض الأمور التي تُسعدك وتُرضيك، فابنك الصغير غَدَا شابّاً فارع الطول، وقد تسلّم
مهامك في المنزل؛ يُصلح كلّ ما يتعطّل: مقابض الأبواب، مقابس الكهرباء، المصابيح،
حتّى عجلات كرسيّ جدّي، يصلحها دون أن يطلب منه أحد. لن تصدّق إذا رأيته أنّه ابن
14 عاماً فقط.
عندما تنظر إليه أمّي، وهو بهذه الهمّة والمبادرة، تقول إنّه يُذكّرها بك. وأختي،
كم تغيّرت في هذه السنوات القليلة! لقد ارتدت العباءة الآن. أمازحها دائماً بأنّها
لا تملك إرادةً، لكنّها أصبحت أكثر ذكاءً منّي؛ لأنها تجيب: لن أُحرج والدي في
الآخرة؛ ليشفع لي وأنا لا أرتدي حجاب الزهراء عليها السلام.
الخبر الجميل، هو أنني وُفّقتُ في مهمتي الأخيرة، إصابتي كانت طفيفة جدّاً، لكنّني
عاودت عملي. واطمئنّ يا والدي، فلم يؤثّر ذلك على التزامي بركعتَي آخر الليل كما
وعدتك. نعم، اضطررت الشهرين الماضيين إلى العمل ساعات إضافية؛ كي أسدّد قرضاً. فلم
يغب عن بالي قولك: "الوقت، الأمانات، والديون، قيودٌ ثقيلة إذا ما رحلنا، فكيف
سأجيبُ في محضر الله عن حقوق الناس في ذمّتي وكنت أملك الوقت هنا؟". وقد رحلتَ كما
تمنّيت.. شهيداً بريء الذمّة، ليتني أُرزق ما رُزقتَه: ابنك عليّ المشتاق إليك".
طوت أمّ علي هذه الرسالة ودسّتها في صندوق يحوي عشرات الرسائل، لتضعه في خزانة
زجاجيّة تتوسط ضريحين، جديدهما ضريحٌ منقوشٌ عليه: شهيد الدفاع عن المقدسات: عليّ.