مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب ولغة: كشكول الأدب


إعداد: إبراهيم منصور


* من أمثال العرب: "القصَّة فيها إنَّ"

يعني هذا المثل أَنَّ في الأمر فخّاً يجبُ التنبُّهُ له، وأَخْذ الحيطة والحذر، حتى لا نقع فيه. أمَّا قائل هذه العبارة التي ذهبتْ مثلاً، فهو الشاعر أبو الطيِّب المتنبي (915-965م). وتفصيلُ الأمر أنّ هذا الشاعر لم يكن يمدحُ إلا الأمراء العرب من أمثال سيف الدولة الحمداني في حلب، وبدر بن عمَّار في طبريَّة. وأمَّا مدحه لكافور الإخشيدي الزِّنجي، فقد كان استثناءً ما لبث أن ندم عليه. نقِم البويهيُّون على المتنبي بسبب حَجْبهِ مدائحَه عنهم، فأرادوا استدراجه، فطلبوا إلى وزيرهم ابن العمير أن يكتب، بخط يده، رسالة إلى المتنبي، يستقدمه فيها إلى دار السلطنة لتكريمه. لكنَّ ابن العمير أحسَّ أنَّ وراء هذه الرسالة فخّاً ينصبه السلطان للإيقاع بالمتنبي. ولمَّا كان الوزير الكاتب ابن العمير صديقاً لهذا الشاعر، فقد أراد تنبيهه من هذا الشّرَك المنصوب له. فكتب، في آخر الرسالة: "فأقْبِلْ علينا نُكْرِمْكَ إنْ شاء الله". لكنَّ ابن العمير جعل "السكون" في "إنْ" شبيهاً بالشدَّة. فلمَّا قرأ المتنبي الرسالة، قرأ كلمة "إنَّ" بدلاً من "إنْ"، فانتبه، بذكائه، لإشارة صديقه، وتذكَّر الآية القرآنية التي يُحذِّر فيها الله تعالى نبيَّه موسى عليه السلام بلسان رجل مؤمن من آل فرعون: ﴿وَجَاء رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (القصص:20). عندها، قال المتنبي: "القصَّة فيها إنَّ". وذهب القول، من يومه، مثلاً.

* من عيون الشِّعر:
قال الإمام عليّ عليه السلام كما روي عنه، مختصراً حياة الإنسان بين المهْد واللَّحْد:
 

وَلَدَتْكَ أُمُّكَ، يا بنَ آدمَ باكياً

والناسُ، حولك، يضحكونَ سرورَا 

فاجْهَدْ بنفسِكَ كي تكونَ إذا بكَوْا

في يومِ موتِكَ، ضاحكاً مسرورَا(1)



* من بلاغة القرآن الكريم:

﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (الأحزاب:33). إنّ هذه الآية الكريمة تؤكّد على حبِّ الله تعالى لأهل البيت عليهم السلام، وتطهيرهم من كلِّ دنسٍ ورجس. وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذين المعنيين بعدة مؤكّدات وأساليب تعبير توضيحية منها: إنَّ (إنّما): حرف مشبَّه بالفعل يفيد التأكيد. "يريد الله": ذكر الإرادة الإلهية مع التصريح بلفظ الجلالة. "ليذهب الرجس": ليطهِّر وينزِّه (يبعد عن القبائح). "عنكم" مخاطبة الله لأهل البيت تكريماً وتعظيماً. "أهل البيت": نداء الله لأهل العترة المطهَّرة، على تقدير حرف النداء "يا"، إيغالاً في التكريم. "ويطهركم": تكرار التأكيد على التطهير المستفاد من إذهاب الرجس المتقدم ذكره. "تطهيراً": مفعول مطلق يفيد تأكيد الفعل. وبعد، فنحن لا نحسب أنّ ثمة عبارةً، في مجمل اللسان العربي، تَزْخَرُ بهذا القدر من البيان والتوضيح والتأكيد.

* من نوادر العرب:
أَحضرَ العَسَسُ (الطَوْفُ، الشُّرْطة بتعبير اليوم) شابين إلى أحد الولاة، وقد غلبت عليهما نشوةُ الشراب. فقال لأحدهما:

- من أبوك؟
فأجاب:
أنا بنُ الذي لا يُنْزِلُ الدهرُ قدْرَه
وإنْ نزلَتْ، فسوف تعودُ
ترى الناسَ أفواجاً إلى ضوءِ نارهِ
فمنهم قِيامٌ، حولَها، وقُعودُ
فقال الوالي: "لا بُدَّ أنَّ والد هذا الفتى من أشراف العرب". ثمَّ قال للفتى الآخر:
- وأنت، من أبوك؟
فردَّ قائلاً:
أنا بنُ من دانتِ الرقَابُ له
ما بينَ مخزومِها وهاشمِها
تأتيه بالرُّغمِ، وهي صاغرةٌ
يأخذُ من مالها ومن دمِهَا
فقال الوالي: "ما أشكُّ في أنّ هذا الفتى كان أبوه سَريّاً (من الأعيان) شجاعاً". ثمَّ أمرَ بإطلاق سراحهما.
وكان في المجلس رجل نبيهٌ فطِن، فقال للوالي: "الأوَّل كان أبوه فوَّالاً (لا يُنزِل الدهرُ قِدْرَه). وأمَّا الثاني، فكان أبوه حَجَّاماً (يتعاطى مهنة الحجامة، أي: فَصْد الناس لاستخراج دمهم في المعالجة الطبيّة). ومنه الحديث الشريف: "لَعْقَةُ عسل، أو شَرْطَةُ مِحْجَم". فأعجب الوالي بما سمع، فأنشد قول الشاعر:
كُنِ ابنَ مَنْ شئتَ، واكتسب أدباً
يُغنيكَ محمودُه عن النَّسبِ
إنَّ الفتى من يقول: ها أنذا
ليس الفتى من يقولُ: كان أبي


* من بلاغة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله
قال صلى الله عليه وآله كما روي عنه: "محمدٌ أفصحُ الناس. بَيْدَ أنِّي من قريش". إنَّ كلمة "بَيْدَ" هي اسم استثناء بمعنى "غيرَ"، ولا يُستثنى بها إلا في الاستثناء المنقطع، مثل: "عليٌّ شجاع، بَيْدَ أنه يكره سفك الدماء إلاّ بحقِّها". أي: بالرُّغم من شجاعته، فهو يكره سفكَ الدماء. وبالعودة إلى الحديث الشريف نرى أنَّ ظاهره (بالرغم من أنني من قريش، فأنا أفصحُ الناس) يُفيد أنَّ أهل قريش لم يكونوا فصحاء. وهذا مخالف للواقع، لأن قبيلة قريش كانت أفصح القبائل، وبلهجتها نزلَ القرآن الكريم. نستنتجُ ممّا تقدّم أنّ الرسول صلى الله عليه وآله قد استعمل كلمة "بَيْدَ" التي تعني "غَيْرَ" بعكس معناها الأصلي، أي: "بما"، ليصبح التعبير: "بما أنني من قريش، فأنا أفصح الناس". ويُسمى هذا الأسلوب، في البيان العربي، مجازاً مرسلاً، أي: استعمال المفردة بعكس معناها الذي وضعه لها اللغويون. وإذاً، فقد دلّل الرسول صلى الله عليه وآله، بطريقة عملية، عَبْرَ توسُّل المجاز المرسل، على أنه أفصحُ الناس!.

* فائدة إعرابية:
الَّلام الفارقة: هي اللام التي تدخل على خبر المبتدأ، في مثل قولنا: "إنْ حبيبٌ لمجتهدٌ". و"إنْ"، هنا، مخفَّفة من "إنَّ"، وهي مهملة، أي لا تنصب كلمة "حبيب"، فتبقى هذه الكلمة مرفوعةً على الابتداء، وكلمة "مجتهدٌ" خبرُه. وقد سُمِّيت هذه الَّلام "فارقة" للتفرقة بين "إنْ" هذه في المثال (أي المخفَّفة من إنَّ)، وبين "إنْ" النافية التي تعمل عمل (ليس)، في مثل قولنا: "إنْ حبيبٌ مجتهداً"، حتى لا يقع اللَّبْسُ.

* أخطاء شائعة:
* حوار حول "هرْج ومرْج":

- كيف أمضَيْتَ يوم العطلة، يا حسام؟
- أمضيته على النهر، مع أهلي، في هرْجٍ ومرْج، يا أستاذ.
- إني أَغبطُكَ على الاستمتاع بوقتك، بعد إنهاء الواجبات الدراسية. ولكنك ارتكبتَ خطأً في كلامك.
- عفواً، يا أستاذ، فأين الخطأ؟
- لقد قلتَ: "في هرْجٍ ومرْج"، والصواب: "في لعبٍ وفرَح"، لأنَّ "الهرْج" هو الفتنة والقتال. أمّا "المرَج" (بفتح الراء) فهو القلق والفتنة، وقد سكِّنت الراء للمزاوجة مع "هرْج".

* كلمات عاميَّة أصلها فصيح:
- التِّفْلُ (تِفْلُ القهوة، مثلاً) أصلُها "التُّفْلُ"، أي ما يستقرُّ في أسفلِ الشيء من كُدْرَةٍ.
- زَقَّ الأغراض من مكان إلى آخر، أي: نقَلها على مراحل، كما تَزُقُّ العصفورةُ فراخها (تطعمها بتناوبٍ مع الذّكر). والزِّقَ هو الوعاء الذي تُنقل فيه السوائل.
"تَشَبْرَقَ" الولدُ، إذا اشترى من الدكّان ما يأكله، خصوصاً إذا تباعدت خطواته وراح يتلذّذ بالطيبات. وأصلُ المعنى: شَبْرَقْتُ اللَّحمَ، أي قطَّعتُه. والشِّبْرِقُ نباتٌ غضّ، تُشَبْرِقُه الأنعام (تقطعه بأسنانها لتأكله). والشَّبارق هي ألوان اللحم المطبوخة. وشَبْرَقَتِ الناقةُ في مشيها: باعدتْ خطوَها.


(1) تفسير الآلوسي، ج27، ص68.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع