الشيخ يوسف سرور
.. الذين سقوا يَباس الأرض وابل نجيعهم القاني، فأنبتت
رياحين الحياة مكلَّلة بأزاهير الإباء.. .. الذين روَوا سفوح الأودية وبطون التّلال
ورؤس الجبال بماء الأورِدة، فأخرجَ المشهدُ بهاءَه مزيَّناً بألوانِ الوفاء.. ..
الذين أَشرِبوا صخورَ الأرضِ ورمالَ البطاح وعبّدوا منعرجات الدّروب الصعبة من نزيف
دمائهم، فأبدع الحق آيات الفرج، وأتى الخيرُ مثقلاً بأحمال العطاء.. ..
الذين
أمدُّوا شُجيرات الروابي وعُشيبات السّهوب والسُّهول المتشقِّقِة عطشاً، من زُلال
شرايينهم بأسباب البقاء.. فنفذت جذورها في أعماق الأرض، وتصلّبت أعوادها، وتطاولت
أغصانها متشامخة تهزم عتوَّ الريح، تمضي في علاء.. .. الذين نثروا أنفاسهم على مدى
ليلنا المُثقل بجنودِ الجهل ووطأة الظّلم المخيّم سقفاً مطبقاً فوق رؤوسنا، وغمّاً
جاثماً فوق صدورنا.. -نثروا أنفاسهم- تسابيح قدسٍ تعبق بها نُسيمات العشق، تشرح
الصدور وتراتيل وحيٍ تُطرب الآذان، وآيات حقٍّ تًضيء الظّلمة للوجدان، ويملأ عطرها
الفواح أرجاء الفضاء.. .. الذين عزفت أوتار الخلود ألحان السموّ من نثار أشلائهم،
وجعلوا قلوب العباد تشخصُ إلى جهة العلوّ حين تنطقُ الشّفاه حروف أسمائهم، ونسجت
أنوال الفخار عباءة الزّهوّ من مِزَقِ بقايا ردائهم، حين التحقت أرواحهم بأهل
السماء..
نحن الأُولى ربضت أرواحهم على تخوم الجراح الرّاعفة، يسكبون فوقها ماء الحياة من
شقوق بقايا أجسادهم النّازفة.. لتبرأ الإرادة الكامنة في روح الأمة، وتنجلي من
النّفوس أوهام الخوار الزّائفة، وتستيقظَ القلوب الخائفة.. على وقْعِ ترديد أصداء
النّداء.. نحن الأُولى اصطبغ أُفق الوجود من دمائهم بألوان الفلاح، وانجلت ظلمة
ليله الطّويل حين رتّلت دماؤهم أذان الصّباح، ومادت الأرض بشُذّاذ الآفاق وبالآتين
من خلف البحار حين أمسكت قبضاتهم رايات الكفاح، واستوسق عطاء الأرض وشمخ عطاءً حين
أعلنّا حُسن الولاء.. دَمُنا الحاكي بطولاتِ الطّفِّ حين سقينا الأرض من نزفِ
القلوب، وفِعْلُنا الذي قصّ أساطير عليّ الأكبر فوق أرض الجنوب، وتبدّد جمْعُ
الشّراذمِ ومالت شمسُهم نحو الغروب حينما أمسكتْ يدُ نصر الله اللواء.. ..نحن
الأُولى عندما أظلمت الدنيا وأطبقت يدُ الجلاد على أنفاس العباد وسقطت ألوية الرّفضِ
من أيدي حمَلَتِها، وقف الرّاغب منا ليُعلن أنّ موقف الخمينيّين هو السّلاح، وطاف
بعباءة الخميني أرجاء البلاد، وظلّل بها أرض عاملة الأبيّة شامخةً بعمَّتِهِ
الطَّاهرة، ملوّناً فضاءها بدمِهِ الطّاهر ليرتقي إلى بارئهِ شيخاً للشّهداء. نحن
الأُولى نطقت شفاه الطُّهر من فم العبّاس، ليُعلنَ أنّ الأمّة التي تُقدِّس زينب
لأنها أخت شهيدٍ هي الأمَّة الناهضة، ليرويَ بدمِهِ حكاية الحسين، وبِدَمِ عقيلته
الهاشميّة حكايةَ عقيلة الهاشميين، وبدَمِ حسينه حكايةَ رضيعِ الحسين فوق ثرى
الشُّموخ، عارجاً بروحِهِ إلى السّماء.. سيّداً للشهداء.. سائراً على هَدْيِ
الخميني، معلناً أنّ اليومَ هو يوم البَذْل، والأجيالُ هي التي تقطف الثّمار، فجسّد
بهذا أسمى معاني العطاء..
نحن الأُولى قدّموا قرابين الوفاء من العمائم البيضاء
والسّوداء، ومن أصفياء الأمّة المقدّسين، والعباد المقرّبين..الّذين أرادوا ما أراد
الله، فجاءت مواكب الملائكِ تنصرُهُم في وقائع الأيّام، وامتدّت قبضة عزرائيل تنزعُ
روح العدوان بأيدينا، وتُبدّدُ عندَهُ الأوهام.. وكانت نفخة إسرافيل في تمّوز على
شفاه الرّضوان، فكان حقاً قائدَ الانتصارات وقائد الأصحابِ إلى الرّضوان..
نحن
الأُولى سطعت في قلوبنا شمسُ الولاية الحقَّة، وقادنا إلى النَّصر نصرُ الله على
درب الحسين، لتصدح دماؤنا أنّ كلَّ ما عندنا من عاشوراء..